غارسا الزيتونة مع الشيخ والبطريرك.. البابا لاوون من اللقاء المسكوني في ساحة الشهداء: المصالحة والشراكة والسلام امر ممكن

قال البابا لاوون الرابع عشر خلال اللقاء المسكوني في ساحة الشهداء: “بتأثرٍ عميقٍ وامتنانٍ كبير، أقف معكم اليوم هنا، في هذه الأرضِ المبارَكَة، الأرض التي مجَّدَها أنبياء العهدِ القديم، الذين رأوا في أرزها الشامخ رمزًا للنفس البارة التي تُزهِرُ تحت نظرةِ السَّماءِ السَّاهِرَة ، والأرض التي لم يَنطَفِئُ فيها صدَى الكلمة Logos” قط، بل استمرَّ ، جيلا بعد جيل، ينادي كل الراغبينَ لكي يفتحوا قلوبهم للهِ الحَيّ.
في الإرشادِ الرّسولي بعد السينودس، “الكنيسة في الشرق الأوسط”، الذي وقعه البابا بندكتس السادس عشر هنا في بيروت سنة 2012 ، شدَّدَ قداسته على أنَّ طبيعة الكنيسة ودعوتها الجامعة تقتَضيان منها أن تفتح الحوار مع أعضاء سائر الديانات. يرتكز هذا الحوارُ في الشَّرقِ الأوسط على الرّوابِطِ الرّوحيّةِ والتّاريخيّةِ التي تَجمَعُ المسيحيين مع اليهود والمسلمين. هذا الحوار لا تمليه أولا اعتبارات براغماتية سياسية أو اجتماعية، بل يستند ، قبل كل شيء، إلى أُسَسٍ لاهوتية مرتبطة بالإيمان (رقم ).19
الأصدقاء الأعزّاء،
إنَّ حضوركم هنا اليوم، في هذا المكان الفريد، حيث تَقِفُ المآذنُ وأجراس الكنائس جنبًا إلى
جنب، مرتفعةً نحو السّماء، يَشْهَدُ على إيمانِ هذه الأرضِ الرّاسخ وعلى إخلاص شعبها المتين للإله الواحد. هنا، في هذه الأرض الحبيبة، لِيَتَّحدُ كلُّ جَرَسٍ يُقرَع، وكلُّ آذان، وكلُّ دعوة إلى الصّلاةِ في نشيدٍ واحدٍ وسام، ليس فقط لتمجيد الخالقِ الرّحيم، خالِقِ السّماءِ ،والأرض، بل أيضًا لِرَفع ابتهال حارّ من أجل عطيّة السّلام الإلهيّة.
منذ سنواتٍ عديدة، ولا سيّما في هذه الأيّام، توجهت أنظارُ العالم إلى الشرق الأوسط، مهد الديانات الإبراهيمية، تَنظُرُ إلى المسيرةِ الشَّاقَةِ والسَعِي الدَائِمِ لعطيّةِ السّلام. أحيانًا تَنظُرُ الإنسانية إلى الشرق الأوسط بقلقٍ وإحباط أمام صراعاتٍ مُعَقَّدَةٍ ومُتَجَذِّرَةٍ عبر الزمن. مع ذلك، وسط هذه التحدّيات، يمكننا أن نَجِدَ معنّى للرّجاءِ والعزاء عندما نُرَكَّزُ على ما يَجمَعُنا: أي على إنسانيتنا المشتركة، وإيماننا بإله المحبّة والرّحمة في زمن يبدو فيه العيش معا حُلُمًا بعيد المنال، يبقى شعبُ لبنان، بدياناته المُختَلِفَة، مذكّرًا بقوة بأنّ الخوف، وانعدام الثقة والأحكام المُسبَقَةِ ليست لها الكلمةُ الأخيرة، وأنّ الوحدة والشركة والمصالحة والسّلامَ أمرٌ مُمكن. إنّها رسالة لم تتغيَّر عبر تاريخ هذه الأرض الحبيبة:
الشهادة للحقيقة الدائمة بأنّ المسيحيين والمسلمين والدّروز وغيرهم كثيرون، يُمكنهم أن يَعِيشُوا معا ويَبنُوا معًا وطنًا يَتَّحدُ بالاحترام والحوار.
قبل ستين سنة، فتح المجمع الفاتيكاني الثَّاني، بإعلانه وثيقة في عصرنا – Nostra aetate“ ، أُفُقًا جديدًا للقاء والاحترام المتبادل بين الكاثوليك وأبناء الديانات المختلفة، وأكَّد أنَّ الحوار الحقيقي والتّعاوُنَ الصَّادِقَ مُتَجَذِرانِ في المحبّة، الأساس الوحيد للسّلام والعدل والمصالحة. هذا الحوار، الذي يَستَمِدُّ إلهامه من المحبّة الإلهيّة، يجب أن يُعانِقَ كلَّ أصحاب النوايا الحسنة، ويرفض التحيّز والتفرقة والاضطهاد، ويُؤكِّد على مساواة كرامة كلّ إنسان.
تمَّت خدمة يسوع العلنية بشكل رئيسي في الجليل واليهوديّة، إلّا أنّ الأناجيل تروي أيضًا أحداث زيارته لمنطقة المدن العشر ، وأيضًا لنواحي صُور وصيدا، حيث التقى المرأة السريانية الفينيقية التي دَفَعَه إيمانُها الرّاسِخُ لِيَشفِيَ ابنتها (راجع مرقس ،7 24-30 ). هنا، صارَت الأرضُ نفسُها أكثر من مجرّدِ مكان لقاء بين يسوع وأمّ تَبْتَهِلُ إليه، بل صارت مكانًا يتخطّى فيه التّواضع والثّقة والمثابرة كلَّ الحواجز، وتلتقي بمحبّةِ اللهِ اللامتناهية التي تُعانِقُ كلَّ قلبٍ بشر. في الواقع، هذا هو “جوهر الحوار بين الأديان: اكتشافُ حضور الله الذي يتجاوز كل الحدود، والدّعوة إلى أن نبحث عنه معًا باحترام وتواضع”.
وإن كانَ لبنان مشهورًا بأرزه الشامخ، فإنَّ شجرة الزيتون أيضًا تُشَكَّل حجرًا أساسيا في تراثه وشجرةُ الزّيتون، لا تُزَيَّنُ فقط المكان الذي نحن مُجتَمِعُونَ فيه اليوم، بل هي مُكَرَّمَةٌ في النّصوص المقدّسة في المسيحية واليهوديّة والإسلام، وتُشكّلُ رمزًا خالدًا للمصالحة والسّلام. عُمرُها الطّويلُ وقُدرَتُها الفريدة على الازدهار، حتّى في أشدّ البيئاتِ قَساوةً، يرمزان إلى البقاء والرّجاء ، ويَعكِسانِ التزامها وصُمودَها لتنمية العيش معًا . من هذه الشَّجرةِ يَتَدَفَّقُ زيتٌ يَشفِي، وهو بَلسَمٌ لجِراحِ الجسدِ والرّوح ، يُظهِرُ رحمة الله اللامحدودة لكل المتألّمين، وزيت يوفّرُ النّور أيضًا، ويُذَكَّرُنا بالدّعوة إلى أن تنير قلبنا بالإيمان والمحبّةِ والتّواضع.
كما تمتد جذورُ الأرز والزّيتونِ عميقًا وتَنتَشِرُ في الأرض، كذلك أيضًا يَنتَشِرُ الشَّعبُ اللبناني في العالم، لكنَّه يَبقَى مُتَّحِدًا بقوَّةِ وطنِهِ الدّائمةِ وتراثه العريق. حضورُكم هنا وفي العالم كلّه يُغنِي الكَوكَبَ بارثِكُم الذي يَرجِعُ إلى آلاف السنين، وهو أيضًا دَعوة. ففي عالمٍ يزدادُ ترابطًا، أنتم مدعُوُونَ إلى أن تكونوا بُناة سلام وأن تواجهوا عدم التسامح، وتَتَغَلَّبُوا على العُنف، وتَرفُضُوا الإقصاء، وتُنِيرُوا الطَّريق نحو العدل والوئام لِلجَمِيع، بشهادَةِ إيمانِكُم.
أيُّها الإخوة والأخواتُ الأعزّاء،
إنّ الخامس والعشرينَ مِن آذار / مارس من كلّ سنة هو عيد وطني تحتفلون به في بلدكم، وتُكَرِمُون معًا ،مريم، سيّدة لبنان، المُكَرَّمَةَ في مزارِها في حريصا ، الذي يُزَيّنُهُ تمثال مهيب للعذراء وذراعاها مَفتُوحَتَانِ لَكَي تُعائنقَ كُلَّ الشَّعبِ اللبناني.
ليَكُن هذا العِناقُ الوالِدِيُّ والمُحِبُّ من مريم العذراء، أم يسوع وملكة السّلام هداية لكلّ واحدٍ منكم، حتّى تفيض في وطنكم، وفي كل الشرق الأوسط، وفي العالم أجمع، عطيّة المصالحة والعيش السلمي “مثل الأنهار التي تَجري مِن لبنان” (راجع نشيد الأناشيد 4 /15)، وتحمل الرّجاءَ والوحدة والشركة للجميع.
وكان قداسة البابا قد وصل في الرابعة من بعد الظهر الى ساحة الشهداء، حيث شارك اللقاء المسكوني والحواري بين الأديان ولدى وصول البابا تم استقباله من قبل البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي، وبطريرك السريان الكاثوليك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان ونائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب وشيخ العقل لطائقة الموحدين الدروز الشيخ سامي ابي المنى.
هذا وشارك في اللقاء كل من: البطريرك الماروني يشارة بطرس الراعي، بطريرك إنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر اليازجي، بطريرك إنطاكية وسائر المشرق والإسكندرية والقدس للروم الكاثوليك مار يوسف الاول العبسي، كاثوليكوس الأرمن الأرثوذكس لبيت كيليكيا الكاثوليكوس آرام الأول، بطريرك كيلّيكيا للأرمن الكاثوليك روفائيل بيدروس الحادي والعشرون مينيسيان، بطريرك السريان الارثوذكس مار اغناطيوس افرام الثاني، بطريرك السريان الكاثوليك الانطاكي مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، رئيس الطائفة الكلدانية في لبنان المطران ميشال قصارجي، النائب الرسولي للاتين في لبنان المطران سيزار أسايان، رئيس الطائفة الاشورية المطران مار مليس زيا، رئيس الطائفة القبطية في لبنان وسوريا القمص اندراوس الانطوني، رئيس المجمع الاعلى للطائفة الإنجيلية في لبنان وسوريا القس جوزف قصاب، مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ علي الخطيب، المفتي الجعفري الممتاز أحمد قبلان، شيخ عقل طائفة الموحّدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى، رئيس المجلس الاسلامي العلوي راعي أبرشية بيروت المارونية المطران بولس عبد الساتر، بطريرك الاسكندرية للأقباط الكاثوليك الأنبا إبراهيم إسحق سدراك، بطريرك الكلدان في العراق والعالم الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو، بطريرك القدس للاتين الكاردينال بيير بتيستا بيتسابالا.
كما يحضر المطارنة: شارل مراد، دانيال كورية، يوسف سويف. وأمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين، رئيس مجمع تعزيز الوحدة المسيحية الكاردينال كورت كوخ، رئيس مجمع الكنائس الشرقية الكاردينال كلاوديو غوجيروتي، رئيس مجمع الحوار بين الأديان الكاردينال جورج جاكوب كوفاكاد.
ويشارك ايضا: النائب ملحم خلف، والوزيران السابقان محمد الصفدي وعباس الحلبي، محافظ مدينة بيروت القاضي مروان عبود، نقيب المحررين جوزف القصيفي وحشد من الشخصيات الدينية والمدنية والسياسية.
ولدى دخول قداسة البابا علا التصفيق في القاعة واعتلى البابا المنصة وصافح رؤساء الطوائف الذين سيشاركوم في اللقاء على وقع هتاف ليحيا البابا.
يونان: وألقى بطريرك الكنيسة السريانية الكاثوليكية إغناطيوس يوسف الثالث يونان كلمة جاء فيها: “كما قال البابا يوحنا بولس الثاني لبنان ليس مجرّد بلد وإنّما رسالة إلى منطقتنا والعالم أجمع”.
أضاف: “الزيارة اليوم من أجل بناء السلام والاستقرار في المنطقة، ولا سيما لبنان الصغير على الخارطة ولكن الكبير برسالته ودوره وفسيفسائه الاسلامي المسيحي”.
تابع: “زيارتكم تتزامن مع محطتين أساسيتين في المسيحية: الذكرى الأولى للمجمّع المسكوني الذي عقد في نيقيا حيث اجتمعتم بطوائف دينية اخرى، كنائسنا تنظّم الاجتماعات المسكونية لتحتفل بالقانون الذي نجتمع تحته جميعنا، اما المحطة الثانية فهي الدعوة إلى الحوار ما بين الأديان هذه الدعوة التي أصدرها المجلس الفاتيكاني”.
بعدها تم تلاوة نص من الانجيل مرنما بحسب الطقس البيزنطي، فتلاوة لآيات من القران الكريم.
يازجي: من جهته، رحب بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الأرثوذكس يوحنّا العاشر يازجي في كلمة خلال اللقاء المسكوني في ساحة الشهداء، بالبابا لاوون الرابع عشر، وقال:
“أهلا بكم في الأرض التي انغرس فيها صليب المسيح، أهلا بكم في لبنان هذا البلد الفريد الذي يتنفس في بيئتيه المسيحية والإسلامية، وبلد العيش الواحد والمكونات التي تنصهر لتكوّن لبنان”.
دريان: كما القى مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عيد اللطيف دريان كلمة في اللقاء الإسلاميّ المسيحي، بحضور بابا الفاتيكان لاوون الرابع عشر في ساحة الشهداء قال فيها:
” بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ ربِ العالمين ، والصلاةُ والسلامُ على أنبياءِ ورسلِ اللهِ أجمعين، وعلى سيِّدِنا محمدٍ خاتمِ الأنبياءِ والمرسلين ، وعلى آلهِ وأصحابِه أجمعين.
وبعد : فإنّه لَمِن دواعي سُرورِنا أن نكونَ في استقبالِ بابا الفاتيكان لاوُون الرابعَ عَشَر الذي يزورُ لبنان بلدَ التَّعايُش والتَّعَدُّدِ الطَّائفيّ المتنوُّعُ ، وهو غِنىً وإثراءٌ لإنسانيةِ الإنسان ، واعتبارُ المواطَنةِ أساساً في تحديدِ الحقوقِ والواجبات على حدٍّ سَوَاء ، ومِن دونِ أيِّ تمييز. وفي لبنان نؤكِّدُ دائماً ثوابِتَنَا الوطنيةَ، في قِمَمِنا الرُّوحية ، ونَحتَرِمُ الحُرِّيَّاتِ الدِّينيَّةَ وحقوقَ الإنسان ، كأساسٍ للعيشِ المُشتركِ في مُجتمعِاتِنا المتنوِّعَةِ والمُتَعَدِّدة ، ولا نِتدِخَّلُ في الخصوصِيَّات ، فبلدُنا لبنان يَحمي دُستورُه حقَّ الطَّوائفِ في مُمارسةِ شرائعِها ، مِصداقاً لقولِه تعالى: ﴿لكلٍّ جعَلْنا مِنكُمْ شِرعَةً وَمِنهاجاً﴾.
الإسلامُ هو المَسِيرَةُ الإيمانيَّةُ بِاللهِ الوَاحِد ، مِن آدمَ إلى نوحٍ وإبراهيم ، إلى موسى وعيسى ، وانتهاءً بمحمد ، عليهم جميعاً صلواتُ اللهِ وسلامُه.
وقد قال اللهُ تعالى في مُحكمِ تَنزِيلِه: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ، وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ .
ونستذكر هنا ما أمرَ به رسولُ اللهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ الذينَ لا يَستطيعون الدِّفاعَ عَنْ أنفُسِهِمْ مِنَ المُؤمنين، بالهِجرةِ إلى الحَبَشَة ، وقال لهم : (إنَّ فيها مَلِكاً لا يُظلَمُ عِندَهُ أَحَد) . وخَشِيَتْ قُريشٌ أنْ تَنتَشِرَ الدَّعوَةُ بهذهِ الطَّريقةِ خارِجَ مَكّة، فأرسَلتْ رُسُلَهَا إلى النَّجَاشِيِّ مَلِكِ الحَبَشةِ المَسِيحي ، لِيَطرُدَ المُسْلِمينَ مِنْ عِندِه ، وقد زَعَمَ رَسُولا قُريشٍ أنَّ هؤلاءِ اللاجئينَ عِندَه ، والطَّالبينَ حِمَايَتَه ، والعَيشَ مُؤَقَّتاً في جِوَارِه ، هُمْ ضِدُّ دَعوةِ عيسى عليهِ السَّلام ، فقرأَ جَعفرُ بْنُ أبي طَالِب، اِبْنُ عَمِّ النبيِّ على المَلِكِ صَدْرَاً مِنْ سُورةِ مريم ، فتأثَّرَ النَّجَاشِيُّ وقال: (إنَّ هذا ، ومَا أَتَى بِه عيسى ، لَيَخرُجُ مِنْ مِشكاةٍ واحدة) . وأبى أنْ يَطرُدَ الآتِينَ إليهِ ، هَرَبَاً مِنَ الاضْطِهادِ بِسَبَبِ إيمانِهم ، وأصبحَ المسيحيون في أرضِ الحبشةِ، أولَ أصدقاءِ الدَّعوةِ الجَدِيدَة ، وأوَّلَ أصدقاءِ أهلِها.
وإنَّ وَثيقةَ المدينةِ المُنوَّرة ، التي قامَتْ على أَساسِهَا نَوَاةُ الدَّولةِ الأُولى في الإسلام ، نَصَّتْ على أنَّ المؤمنين وغيرهم في المجتمعِ المَديني المتنوع، يُشَكِّلونَ مَعَ المسلمين (أُمَّةً وَاحِدَة)” .
اضاف: “بهذِه الأُسُسٍ الإيمانِيَّة، أُرَحِّبُ بِضَيفِ لبنانَ الكبير، البابا لاوَون الرابعَ عَشَر، مُتمنِّياً له التَّوفِيقَ في قِيَادَةِ السَّفِينَةِ المَسِيحِيَّة، لِمَا فيه خَيرُ الإِنسانِيَّة ، على النَّحوِ الذي تُجَسِّدُهُ وَثِيقَةُ الأُخُوَّةِ الإِنسانِيَّةِ ، بَينَ إِمَامِ الأَزهَرِ الشَّرِيف ، الشيخ أحمد الطيّب ، والبابا الراحل فرنسيس”.
وختم دريان: “إنَّ لبنانَ هو أَرضُ هذِه الرِّسَالة ، وهو رَافِعُ رَايَتِها، وَالعَامِلُ عليها ولها . ولذلك فإنَّنا ، نَعُدُّ أَنْفُسَنا مُؤتَمَنِينَ ، دِينِيّاً وأخلاقِيّاً ووطنِيّاً ، على حَملِ مَشعَلِ هذِه الرِّسَالَة ، حتَّى يَعُمَّ الأمنُ والسَّلامُ في العالَم ، وحتَّى تَسُودَ المَحبَّةُ بينَ جَميعِ الأُمَمِ والشُّعُوب”.
الخطيب: بدوره، رحّب نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب، في كلمة خلال اللقاء المسكوني في ساحة الشهداء بالبابا لاوون الرابع عشر، وقال: ”
“نرحب بكم في لبنان، باسم المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى والطائفة الشيعية عامة، مقدرين زيارتكم لبلدنا، مثمنين مواقفكم في هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها وطننا.
نحييكم بتحية الإسلام الذي يؤمن بالسيد المسيح عليه السلام، رسولا ونبيا ومبشرا وهاديا.
وتحية طيبة لجنابكم من لبنان الجريح الذي لطالما اعتبره الكرسي الرسولي في الفاتيكان، رسالة وليس بلدا على هامش التاريخ .
ومن هذا المنطلق أملنا كبير جدا، بأن تحمل زيارتكم لبلدنا كل فرص النجاح، وأن تُثمر في تعزيز الوحدة الوطنية المهتزة في هذا البلد المثخن بالجراح، نتيجة العدوان الإسرائيلي المستمر على أهله وأرضه.
إن ثقافتنا الروحية مبنيّة على الأخوة الإنسانية، نستوحيها من مبادئ الإسلام الذي لا يفرق بين البش، حيث يقول رسولنا الكريم محمد بن عبد الله “لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى”. كما نستمد هذه الثقافة من فكر خليفته الإمام علي بن أبي طالب الذي يرسم طبيعة العلاقة بين البشر بعبارته الإنسانية البالغة المعنى :”الناس صنفان.. إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق”.
ونحن نعتبر أنفسنا أخوة في الايمان ونظراء في الخلق، لا نفرّق بين أبناء البشر إلا بالتقوى، وأن الاختلاف من طبيعة البشر، وأن العلاقة بين المختلفين محكومة بالحوار والتعارف والتعاون على البِر والتقوى، وأن التعايش السلمي بين اتباع الديانات المختلفة هو القاعدة والأساس، وأن ما يحصل من حروب مفتعلة باسم الأديان لا يعبرعن حقيقة الدين الذي يقوم اولا على اساس حرمة الانسان وكرامته.
اننا مؤمنون بضرورة قيام الدولة، لكننا في غيابها اضطررنا للدفاع عن انفسنا في مقاومة الاحتلال الذي غزا ارضنا، ولسنا هواة حمل سلاح وتضحية بأبنائنا.
بناء على ما تقدم نضع قضية لبنان بين أيديكم بما تملكون من إمكانات دولية، لعل العالم يساعد بلدنا على الخلاص من أزماته المتراكمة، وفي طليعتها العدوان الإسرائيلي وما خلفه ويخلفه من تبعات على وطننا وشعبنا .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.”
ويعقد اللقاء في خيمة بنيت خصيصا لهذا الحدث والتي تضم مسرحا صمم بشكل دائري كرمز للعائلة المتحدة.
بعد ذلك سيعرض وثائقي يتضمن شهادات حياة عن العيش المشترك والحوار بين الأديان. ويليه 8 كلمات لرؤساء الطوائف، فكلمة البابا لاوون الرابع عشر، وسيغرس البابا في وسط المكان شجرة زيتون رمزا للسلام.
افرام الثاني: وقال بطريرك السريان الأرثوذكس مار اغناطيوس افرام خلال كلمة في اللقاء مع البابا لاوون في ساحة الشهداء: “بفرح روحي وأمل كبير أرحب بزيارة قداستكم إلى أرض القداسة لبنان، قلب الله، مستذكراً قول اشعياء النبي: »مَا أَجْمَلَ عَلَى الْجِبَالِ قَدَمَيِ الْمُبَشِّرِ، الْمُخْبِرِ بِالسَّلاَمِ، الْمُبَشِّرِ بِالْخَيْرِ» (اشعياء 52: 7).
أرحّب بكم باسم كرسي أنطاكية الذي يشترك مع كرسي روما في خدمة بطرس هامة الرسل وبولس رسول الأمم، وباسم جميع مسيحيي المشرق الذين شهدوا ويشهدون للسيد المسيح منذ بدء المسيحية، رغم الضيقات والاضطهادات التي عانوا منها عبر العصور، فقلّ عددهم بشكل فادح، وأصبح وجودهم في أرض آبائهم وأجدادهم مهدّداً. وفي السنين الأخيرة، أصبحت بلادنا، بمسلميها ومسيحيّيها، ضحية حملات تكفيرية إرهابية وحروب دامية، وكذلك عدوّ إسرائيلي شرس، ممّا سرّع في تهجير الكثيرين. وفي الوقت عينه، عززّت هذه التحدّيات الوجودية العمل المشترك بين مختلف كنائس مشرقنا وأدّت إلى ما سمّاه سلفكم الطيب الذكر البابا فرنسيس: “مسكونية الدم”.
صاحب القداسة،
تأتي زيارتكم الرسولية هذه في وقت حسّاس من تاريخ هذه المنطقة حيث نشهد اضطرابات كبيرة وتحولات جذرية، نأمل أن تنتج استقراراً وعدلاً وسلاماً لمنطقتنا لم تعرفه منذ زمن بعيد. فأبناء هذه الأرض توّاقون للسلام المبنيّ على العدالة، الذي يجب أن يؤدّي إلى صون كرامة الإنسان وحريّته، في ظل دولة يسودها حكم القانون وتقوم على المساواة في الحقوق والواجبات.
صاحب القداسة،
يعيش المسيحيون والمسلمون على هذه الأرض الطيبة منذ قرون، يتشاركون الآلام والآمال، ويتوقون إلى الاستمرار في العيش معاً مستفيدين من تجارب آبائهم وأجدادهم. ومع أهمية الحوار الأكاديمي بين ممثلي الأديان، تبقى الخبرة المكتسبة من العيش الواحد العنصر الأهم في تعزيزه. فالمشرق ليس حدوداً تُرسَم على الخرائط، بل هو حياة تُعاش، وذاكرة تُصان، ونسيجُ علاقات إنسانية جمعت عبر القرون بين المسلمين والمسيحيين. وهنا تعلّمنا أن العيش المشترك ليس شعاراً، بل حوار حياة يقوم على اللقاء الصادق والاحترام المتبادل، وعلى مسؤولية يحملها الجميع تجاه الإنسان – كلّ إنسان – لأنه محور رسالتنا وغاية دعوتنا.
وفي هذا البلد الحبيب، لبنان، أدركنا أن الإنسان لا يكتمل إلا بأخيه، وأنّ تلاقي أبناء الأديان قادر أن يبني مجتمعاً متماسكاً يقف في وجه التعصّب والانقسام، ويبعثَ الرجاء في زمن أثقلته الصعاب. وكلما ارتفع صوت الظلم أو تعمّق جرح الانقسام، بقيت الكنيسة في لبنان والمشرق شاهدة للضمير الإنساني، تدعو إلى الحوار الصريح، واحترام الحرية الدينية، وحفظ كرامة كل إنسان خُلق على صورة الله ومثاله.
صاحب القداسة،
نعلم أنكم ستحملون في قلبكم معاناة هذا المشرق المتألم، وستعملون جاهدين على رفعها وضمان حياة حرة وكريمة لكل أبنائه، من خلال صلواتكم وعلاقاتكم وعملكم مع ذوي النوايا الحسنة.
فلنرفع معاً صلاتنا إلى الرب الإله، سائلينه أن يبارك هذا اللقاء، وأن يجعل من زيارة قداستكم إشراقة جديدة في مشرقنا المعذّب؛ إشراقة تبدّد الخوف من القلوب، وتوقظ الرجاء في النفوس، وتعيد إلى شعوب منطقتنا الثقة بوعد الرب القائل: »أتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ، وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ» (يوحنا 10:10).
شيخ العقل: وقال شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الدكتور سامي ابي المنى في كلمة خلال اللقاء المسكوني في ساحة الشهداء: “نصلّي معاً لخلاص لبنان والمنطقة وأن نطوّق الألم في الأمل ونتمسّك بالشراكة الوطنية وهي مظلّة عيشنا الواحد المشترك فلبنان يمكن أن يكون النموذج الأرقى للتنوّع في الوحدة”.
أضاف: “زيارتكم تدعونا للارتقاء إلى ما هو أسمى الى إغلاق التعصب والتطرف ليكون صوت السلام أقوى من الحروب”.
قدور: وقال رئيس المجلس الإسلامي العلوي الشيخ علي قدور في كلمة خلال كلمة في اللقاء مع البابا لاوون في ساحة الشهداء:
“يشرفنا أن نعبّر بغاية السرور والمحبة عن تقديرنا العميق لقداسة الحبر الأعظم وأن نرفع إلى قداسته أسمى آيات الترحيب والتقدير بمناسبة زيارته الى لبنان، هذا البلد الذي شاءت حكمة الله أن يكون ملتقى الأديان وواحة للحوار وجسرًا بين الشرق والغرب”.
واعتبر أن “زيارة البابا لاوون رسالة رجاء إلى اللبنانيين جميعاً بأن لبنان ما زال قادراً على النهوض واستعادة دوره”.
أضاف: “إن حضور قداستكم ليس حدثًا بروتوكوليًا بل رسالة رجاء إلى اللبنانيين جميعًا ورسالة تأكيد أن لبنان رغم ما يمر به من محن ما زال قادرًا على النهوض برسالته”.
غرس زيتونة: واختتم اللقاء المسكوني في ساحة الشهداء بقيام البابا ، بحيط به البطريرك اليازجي والشيخ ابي المنى ، بغرس غرسة زيتون قدمها له طفلان ،على وقع ترانيم في مساء الورد يا مريم ونشيد المخلوقات، ثم صورة تذكارية بالمناسبة .
هدية: وشهدت خيمة اللقاء المسكوني في ساحة الشهداء تحضير هدايا رمزية وُضعت على المقاعد المخصّصة للمدعوين إلى لقاء البابا لاوون الرابع عشر بعد ظهر اليوم.
وتضمنت الهدايا نسخة من الإنجيل، وأخرى من القرآن الكريم، والعهد الجديد، إضافة إلى كوب تذكاري يحمل علمَي الفاتيكان ولبنان، في رسالة واضحة إلى قيم الوحدة والإيمان المشترك واحترام التنوع الديني.







