تهـويلٌ غير مسبوق بديل الحرب.. وردّ “الحزب” على مبادرتي عون ومصـر وصـل (الجمهورية ٢٨ تشرين الثاني)

دشنّت إسرائيل الذكرى السنوية الأولى لاتفاق وقف إطلاق النار بغارات عنيفة على مناطق شمال الليطاني، مؤكّدة استمرارها في عدم التزام هذا الاتفاق من دون أي رادع، فيما لبنان لم يتلق بعد أي ردّ إيجابي على المبادرات التفاوضية التي اقترحها، بل تلقّى ردوداً سلبية تتمثل في استمرار الاعتداءات الإسرائيلية، في ظل استمرار أجواء التهويل والتهديد التي تثير مخاوف من تطورها إلى حرب جديدة. وتسبق هذه الموجة من التصعيد، وصول البابا لاوون الرابع إلى لبنان بعد غدٍ الأحد، منتقلاً من تركيا التي وصل إليها أمس في أول زيارة خارجية له منذ اعتلائه الكرسي البابوية.
ارتفعت وتيرة التهديد والوعيد بنحوغير مسبوق ليصبح أمامها السؤال: متى؟ وكيف؟ وما هو حجم العدوان الذي ستشنه إسرائيل على لبنان؟ ولكن في مقابل أجواء التهديد هذه، لا يزال هناك من يعتبر انّ الحرب الإسرائيلية الواسعة مستبعدة، وما سيحصل هو فقط تكثيف ضربات محدّدة.
وفي هذا الإطار، قال مسؤول بارز لـ«الجمهورية»، إنّ المبادرة المصرية او الأفكار التي نقلها مدير الاستخبارات العامة المصرية اللواء حسن رشاد، أتت بعد اتفاق غزة، ما يعكس التوجس المصري من عودة الاشتباكات على محور غزة، والتصعيد في لبنان، يمكن أن ينعكس سلباً على جبهة غزة، ويشكّل انتكاسة، بعدما اعتُبر إنجازاً مصرياً في المشاركة بإنهاء الحرب، من هنا يعمل على تخفيض التوتر. اما في القراءة التي لها علاقة بموضوع الحرب، فتحتاج إلى إذن من اثنين الإسرائيلي والأميركي، الأول يعتبر انّه يحقق أهدافه بأقل كلفة، ولن يفرّط بالتهدئة في الشمال بسهولة، و«حزب الله» لا يقدّم أي ذريعة لشن الحرب، والدولة تنفّذ حصرية السلاح. والثاني، أي الأميركي، فلا يؤيد فكرة التوسعة أقله حتى الساعة. اما وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، فأتى بتشاؤم أعلى، ووسّع المطالب بطرحه نزع السلاح من جنوب نهر الليطاني وحتى شمال نهر الأولي، بنحو متقدّم على الذي طرحه رشاد الذي نقل افكاراً اقل حدّة، ولم يقبل بها «حزب الله». لذلك لم يطلب عبد العاطي لقاء مع «الحزب»، لأنّه يعرف مسبقاً انّه سيرفض الطرح المصري».
وأوضح هذا المسؤول «انّ اللواء رشاد طرح افكاراً مبنية على تجميد السلاح شمال نهر الليطاني، اما افكار عبد العاطي فمبنية على نزع السلاح شمال النهر». ورأى المصدر «انّ ما يحصل الآن تهويل كبير، ونحتسب للأسوأ، ولكن المعطيات هي اقل مما تتعمّد بعض الجهات نقله وإشاعته، ولكن الواضح انّ هناك «تعليمة» في المغالاة بقرع طبول الحرب»…
وكشف المصدر، انّ ردّ «حزب الله» على مبادرة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون وصل إلى القصر الجمهوري، وهو الترحيب ضمن تسلسل المبادرة الذي انطلق من روحية اتفاق وقف إطلاق النار.
ويبقى انّ البحث سيُستكمل بعد زيارة البابا للبنان. فهل التهويل هو بديل من حرب لا يريدها احد يسأل المصدر؟ وهل يكون مقدمة لوضع ملف التفاوض مجدداً على الطاولة؟
مواقف
واكّد الرئيس عون للأمين العام المساعد للشرق الأوسط وآسيا والمحيط الهادئ في الأمم المتحدة خالد خياري، أمس، انّه اطلق مبادرات عدة بهدف التفاوض لإيجاد حلول مستدامة للوضع الراهن، لكن لم يتلق أي ردة فعل عملية على رغم التجاوب الدولي مع هذه المبادرات، والتي كان آخرها عشية عيد الاستقلال. وقال: «يصادف اليوم مرور سنة كاملة على اعلان اتفاق وقف الاعمال العدائية، وفي وقت التزم فيه لبنان التزاماً كاملاً مندرجات هذا الاتفاق، لا تزال إسرائيل ترفض تنفيذه وتواصل احتلالها للأجزاء من المنطقة الحدودية وتستمر في اعتداءاتها، غير آبهة بالدعوات المتكرّرة من المجتمع الدولي لالتزام وقف النار والتقيّد بقرار مجلس الامن الرقم 1701، فضلاً عن انّها استهدفت اكثر من مرّة مواقع القوات الدولية العاملة في الجنوب «اليونيفيل». ورفض الإدّعاءات الإسرائيلية التي تطاول دور الجيش وتشكّك بعمله الميداني، لافتاً إلى انّ هذه الادعاءات لا ترتكز على أي دليل حسي، مع الإشارة الى انّ لجنة «الميكانيزم» كانت وثقت رسمياً ما قام ويقوم به الجيش يومياً، في اطار منع المظاهر المسلحة ومصادرة الذخائر والكشف على الأنفاق وغيرها».
وكان قد استقبل رئيس مجلس النواب نبيه بري في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، رئيس الحكومة نواف سلام، حيث تم البحث في تطورات الاوضاع العامة وآخر المستجدات السياسية.
ومن جهة ثانية، قال سلام لوفد «نادي الصحافة» إنّ «لبنان متأخّر في موضوع حصر السلاح وبسط سلطة الدولة وسيادتها، وهذا ما نصّ عليه اتفاق الطائف، لافتاً إلى أنّ المقاومة كان لها دور في تحرير الجنوب وكان لحزب الله دور أساسي فيها». وانتقد «سردية» الحزب المتعلّقة بسلاحه، وقال: «إنّ الحزب يقول إنّ سلاحه يردع الاعتداء، والردع يعني منع العدو من الاعتداء، ولكنه اعتدى والسلاح لم يردعه. كما أنّ هذا السلاح لم يحمِ لا قادة الحزب ولا اللبنانيين وممتلكاتهم، والدليل على ذلك عشرات القرى الممسوحة». وسأل: «هل سلاح حزب الله قادر حالياً على ردّ الاعتداءات الإسرائيلية الراهنة؟ هذا السلاح لا ردع ولا حمى ولا نصر غزة. ونحن لم نطبّق الـ1701 في العام 2006، ولا بدّ من التذكير بأنّ مقدّمة اتفاق وقف الاعمال العدائية تحدّد الجهات الستّ التي يحق لها حمل السلاح».
وتعليقاً على ما قاله الدكتور اكبر ولايتي مستشار المرشد الاعلى الايراني السيد علي خامنئي، من أنّ «وجود حزب الله بات بالنسبة للبنان أهمّ من الخبز اليومي». وانّ «حزب الله كان منقذاً للشعب اللبناني وإيران ستواصل دعمه واعتداءات إسرائيل تظهر النتائج الكارثية لنزع سلاحه بالنسبة للبنان». اكتفى سلام بالقول إنّه «غير معني».
في حين ردّ الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي على ولايتي عبر منصة «إكس» فقال: «إذ نشجب كلام المسؤول الإيراني حول استباحة لبنان وجعله صندوق بريد في محاورة الاميركي، نشجب ايضاً وجود أعداد كبيرة من ضباط النظام السوري القديم في البلد بحماية جهات حزبية ورسمية، يشكّلون خطرًا على الاستقرار الداخلي. أخيراً تحية للسيد السيستاني لحرصه على لبنان».
جنوباً
جنوباً، اغار الطيران الحربي الاسرائيلي على المنطقة الواقعة بين عربصاليم وجرجوع واطراف اللويزة والجرمق والجبور والزغارين بين سجد والريحان والمحمودية. وقالت «القناة 12»: «سلاح الجو استهدف مخازن أسلحة ومواقع عسكرية ومنصات إطلاق جنوب نهر الليطاني». فيما اعلنت هيئة البث الإسرائيلية «انّ الغارات على لبنان هي أول ضربة كبيرة منذ تصفية رئيس أركان حزب الله (هيثم) علي الطبطبائي».
واطلقت قوة اسرائيلية النار في اتجاه بعض المزارعين في اطراف منطقه الوزاني من دون وقوع اصابات. فيما ألقت مسيّرة قنبلة صوتية في اتجاه مجموعة من الشبان في بلدة عديسة.
تراجع الحماسة للانتخابات
من جهة ثانية، وفي ظل هذا المناخ المتشنج، نتيجة التصعيد في الضربات الإسرائيلية والتهديد بشن حرب لا هوادة فيها على لبنان، في غضون الأسابيع المقبلة، تراجعت في شكل لافت حرارة الاهتمام بملف الانتخابات النيابية. وبدا في الأيام الأخيرة، بعد انتهاء مهلة تسجيل المغتربين، وتأخّر إحداث تعديلات على قانون الانتخاب، أنّ رهان بعض القوى على تغييرات سياسية كبرى يمكن أن تفرزها هذه الانتخابات قد تلاشى إلى حدّ كبير، سواء في السعي إلى اكتساب الغالبية الوازنة في المجلس العتيد أو في محاولة تحقيق خرق أو أكثر في جدار التمثيل الشيعي النيابي. وهذه المحاولات تُواجه بمواجهة قوية من جانب الثنائي الشيعي، بهدف إحباطها في شكل مبكر ومضمون.
وبناءً على هذه المعطيات، قالت مصادر سياسية محايدة لـ«الجمهورية»، إنّ طرفي المواجهة باتا غير متحمسين لإجراء الانتخابات في موعدها في أيار المقبل، كل من جانبه واستناداً إلى أسبابه الخاصة، علماً أنّ إجراء هذه الانتخابات قد يصبح متعذراً في شكل تلقائي تحت وطاة التصعيد العسكري الإسرائيلي أو الحرب الشاملة. وبذلك، قد تصبّ الظروف الأمنية في الهدف نفسه الذي ترغب القوى الداخلية في تحقيقه أي التأجيل، اقتناعاً بما لهذه الانتخابات من أهمية حاسمة في تحديد الخيارات المقبلة للدولة اللبنانية.



