ارتفاع في حوادث الباصات المدرسية والقوانين حبر على ورق

يشهد لبنان في الفترة الأخيرة ارتفاعاً لافتاً في حوادث الباصات المدرسية التي يذهب ضحيتها طلاب أو يتعرّضون لإصابات متفاوتة الخطورة، ما دفع المعنيين بالسلامة المرورية إلى رفع الصوت عالياً للمطالبة بتطبيق القانون الرقم 551/96 المتعلق بالتنقّل المدرسي.
وخلال الشهر الأخير فقط، سُجّل ما لا يقلّ عن أربعة حوادث، كان آخرها اليوم الثلاثاء، إذ اصطدم فان على أوتوستراد زحلة (البقاع)، بحافلة مخصّصة لنقل الطلاب، ما أسفر عن إصابة عددٍ من التلاميذ، وقد عملت فرق الصليب الأحمر على إسعاف المصابين ونقل الجرحى إلى المستشفى.
ومن أبرز الحوادث التي سُجّلت منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي لغاية اليوم، سقوط حافلة تقلّ طلاباً في أحد الأودية بمنطقة بشامون في جبل لبنان، ما أسفر عن تسجيل إصابات طفيفة في صفوف التلاميذ، كما أصيب نحو 13 طالباً بجروح إثر انقلاب فان (مركبة صغيرة أو متوسطة) لنقل الطلاب على طريق شحرور – صور (الجنوب). وفي حادث مأساوي آخر، توفي طفل في صيدا بعد أن مدّ رأسه من نافذة باص خاص اصطدم بشجرة.
وتنصّ المادة الأولى من القانون الرقم 551/96 على أنه يمنع منعاً باتاً نقل تلاميذ المدارس الرسمية والخاصة في جميع مراحل التعليم قبل الجامعي، من البيت إلى المدرسة والعكس، أو إلى أي مكان آخر بمختلف وسائل النقل المعدّة لهذا الغرض، من دون وجود مراقب مسؤول مكلَّف من إدارة المدرسة في حال كانت المدرسة تملك هذه الوسيلة أو تستأجرها أو من مالك هذه الوسيلة في الحالات الأخرى.
وكما تجري العادة في لبنان، فإنّ غالبية القوانين، تبقى حبراً على ورق، خصوصاً المرتبطة بالتنقّل المدرسي، رغم تكرار الحوادث في مختلف المناطق اللبنانية، ووقوع العديد من الضحايا من التلاميذ، إذ تفتقر معظم الحافلات المدرسية إلى معايير السلامة، علماً أنه رغم خطورة ودقة الموضوع، فإنّه لا أرقام رسمية حول عدد الإصابات والوفيات الناتجة عن مثل هذه الحوادث.
ومن أبرز النقاط التي يمكن التوقّف عندها، عدم وجود مراقبين داخل الباصات، ولا سيّما في المدارس الصغرى، كما لا تزال المشاكل نفسها بلا حلّ منذ سنين طويلة، منها عدم احتواء باصات المدارس على أحزمة أمان للتلاميذ، وجود أعداد كبيرة من الطلاب بشكل يتخطى قدرة الباص الاستيعابية، عدم وجود كتابات تُعرّف عن الباصات ولا سيّما تلك التابعة لمدارس صغيرة أو رسمية.
في الإطار، تقول مصادر في وزارة التربية اللبنانية لـ”العربي الجديد”، إنّ الحوادث متكرّرة وهناك مخاطر يتعرّض لها التلاميذ، وتبعاً لذلك، كان هناك تواصل مع إدارات المدارس من أجل الالتزام بمعايير السلامة لحماية الطلاب خلال التنقل بالباصات، إلى جانب التقيّد بالنصوص والأحكام القانونية، ولا سيّما المرتبطة بوجود مراقب في كل حافلة، وإلا فستتحمّل المدرسة وسائق الباص المسؤولية، إلى جانب ضرورة أن يكون هناك تأمين شامل للحافلة، وصيانة دورية، كما أنه على القوى الأمنية أن تتشدد في إصدار محاضر الضبط بحق أي باص مدرسي تراه مخالفاً.
وتشير المصادر إلى أن “وجود مراقب في كل حافلة أمر ضروري، خصوصاً لمراقبة تصرّفات الأطفال، منهم من يفتح الشبّاك ويمدّ رأسه أو يده للخارج ويعرّض نفسه للخطر، ويجب منعه من ذلك، وهناك من لا يضع حزام الأمان، وهناك تلاميذ يقفون ويمشون داخل الباص، وغيرها من التصرّفات التي يجب أن تكون مُراقبة، خلال الطريق من وإلى المدرسة”.
ووفقاً للمرسوم رقم 4018/2010، فإنّ من مهامّ المراقب في وسيلة النقل المدرسي، والذي يجب أن يكون عمره فوق 21 سنة، الوجود في الحافلة قبل دخول التلاميذ، وعدم مغادرتها حتى نزول آخر واحد منهم، المشاركة في وضع خريطة الرحلة بالتعاون مع سائق الحافلة، إعداد لائحة بأسماء الطلاب المسجّلين في الحافلة وعناوينهم وأرقام الهاتف، منع التحدث مع سائق الحافلة إلا عند الضرورة، الاتصال بمسؤول النقل في المدرسة في حال وقوع أي حادث، وإلمام المراقب باستعمال مطفأة الحريق وعلبة الإسعافات الأولية، ضبط النظام في الحافلة، وغيرها من المهام.
في السياق، يقول رئيس جمعية اليازا، زياد عقل، لـ”العربي الجديد”، إن حوادث الباصات المدرسية يمكن وصفها بالكارثية، وهناك مخالفات هائلة ترصد منذ بداية العام الدراسي، (قبل نحو شهرين)، ما يدفع اليازا إلى رفع الصوت باستمرار ومطالبة القوى الأمنية بضرورة تطبيق قانون السير بحق أي باص مخالف، خصوصاً أننا منذ أكثر من 15 عاماً، بالكاد رصدنا تحرير محاضر ضبط بحق باص مدرسي.
ويضيف عقل “اليازا تطالب بتطبيق القانون رقم 551 للتنقّل المدرسي، فالمشاكل باتت كبيرة، ونحن نحاول قدر المستطاع المساعدة والعمل على تدريب سائقي باصات المدارس، فهذا مهمّ، لكن الأهم، أن تكون هناك صيانة لهذه الباصات، خصوصاً على صعيد المكابح والإطارات، وأن يلتزم السائق بقانون السير”.
ويشير إلى أنه لا توجد في لبنان أرقام دقيقة تتعلّق بحوادث السير المرتبطة بباصات المدارس، معتبراً أنّه ليس بالإمكان رصد كلّ هذه الحوادث، كما أنّ قوى الأمن لا تملك قاعدة بيانات خاصة بهذا المجال. ويشدّد عقل على أنّ التوصيات الأساسية لجمعية “اليازا” وجمعية “لاسّا” (المعنية بالتوعية على سلامة المدارس والوقاية من إصابات الأطفال) تتمثّل في إشراك لجان الأهل في متابعة السلامة العامة، والتأكّد من ذهاب الأولاد إلى مدارسهم وعودتهم منها بأمان.
كما يؤكد أنّ إدارات المدارس يجب أن تُولي هذا الملف أهمية قصوى، تماماً كأهمية تعليم الطلاب، فحياتهم تبقى أولوية. ويُضيف: “نأمل من وزارة التربية مراجعة القانون المعني وإدخال التعديلات اللازمة عليه إذا اقتضت الحاجة، إذ إنّ تطبيق القانون يبقى ضرورة أساسية لحماية حياة أولادنا”.



