الشيباني في بيروت: تحرير علاقات البلدين من الأمن إلى السياسة والإقتصاد (اللواء ١١ تشرين الأول)

على وقع «طوفان العودة» وسقوط محاولات تهجير سكان وأهل قطاع غزة، في اليوم الاول لوقف النار.
بدا لبنان انه ليس بمعزل عما يجري في المنطقة من آسيا الوسطى الى غربي آسيا، ولا سيما دول المشرق العربي.
ولعلَّ زيارة الوفد السوري الرفيع برئاسة وزير الخارجية اسعد الشيباني، وعضوية وزير العدل مظهر الويس ورئيس جهاز الاستخبارات السورية ومساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية، شكلت مظهراً من مظاهر تحول العلاقات بين لبنان وسوريا، وطي صفحة وبدء صفحة جديدة، حدَّد مسارها الوزير الشيباني نفسه بالتأكيد ان «الحكم الحالي في سوريا يريد أن ينقل العلاقة مع لبنان من العلاقة الأمنية التي كانت سائدة في الماضي الى علاقة سياسية واقتصادية متطورة تصب في صالح الشعبين».
والأبرز كان تبلغ وزارة الخارجية مع وصول الوفد السوري تعليق العمل بالمجلس الاعلى اللبناني- السوري بعد 34 عاما على قيامه في عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي، حيث وقع الاتفاقية مع الرئيس الراحل حافظ الاسد في 23 ايار 1991.
إذاً، فتحت الزيارة الباب امام نهاية مرحلة وبدء مرحلة جديدة، وإن كانت زيارة الوزيرين السوريين والوفد الأمني، لم تشمل الرئيس نبيه بري، واقتصرت على لقاءات عمل مع كل من رئيسي الجمهورية والحكومة ووزير الخارجية بين القصر الجمهوري والسرايا الكبير.
وسط ذلك، يمر لبنان في مرحلة دقيقة، فإما أن يدخل في تسوية شاملة بعد دخول أطراف جديدة على خط الوساطة لإيقاف العدوان الإسرائيلي نهائيا وتثبيت الاستقرار، واما أن يدخل مجدّدا في المجهول إذا ما فشلت لغة الدبلوماسية في استباق التصعيد الذي تلوِّح به اسرائيل وجهات دولية اخرى.
وكشفت المصادر، ان لبنان سيشهد خلال الأسابيع المقبلة حركة زيارات وموفدين عرب وأجانب في محاولة للاتفاق مع الدولة اللبنانية على «آلية جديدة» لتثبيت اتفاق وقف اطلاق النار، وتحمل في طياتها تعديلا واضحا للقرار ١٧٠١ بما يضمن التزام كل من لبنان والعدو الإسرائيلي بضمانات متبادلة لمنع أي تصعيد، في نوع من التمهيد لإجراء مفاوضات غير مباشرة بينهما مع تطور الاوضاع السلمية في المنطقة.
الشيباني في بيروت صفحة جديدة: السياسة بدل الأمن
انفتحت أمس صفحة رسمية جديدة بين لبنان والسلطات السورية الجديدة بزيارة الوزيرين الشيباني والويس مع وفد امني الى بيروت، اساسها التعامل من دولة الى دولة لمعالجة كل الامور العالقة بين البلدين والمجمدة فعليا منذ نحو 20 سنة، بحيث تتحول الى علاقات استراتيجة كما قال الشيباني خلال لقاءاته مع رئيسي الجمهورية والحكومة ووزير الخارجية والتي لم تشمل رئيس المجلس نبيه بري «نظراً لطبيعة مهمة الوفد الوزاري والامني التقنية والتنفيذية»، حيث لم يطلب الوزير موعداً مع بري ولا بري طلب اللقاء او رفضه لو طلبه السوري. على ان يتم عند الضرورة احالة بعض الملفات الى الجهات التشريعية في البلدين، وبخاصة حول الاتفاقات التي تحتاج الى تعديل او الاتفاقات الجديدة التي يمكن التوصل اليها مستقبلاً.
وغادر الشيباني والوفد بيروت مساءً، كما غادر الرئيس نواف سلام الى باريس في زيارة خاصة.
وحسب المعلومات، فإن الجانب السوري ركز اكثر ما يكون على اطلاق سراح الموقوفين السوريين في لبنان حيث اشتكى لوفد من»تباطؤ الاجراءات القضائية بحقهم»، لا سيما في الاجتماعات الامنية الجانبية التي عقدت في السرايا الحكومية، لكن ظهر ان امام انجاز هذا الملف بسرعة تعقيدات قانونية- تقنية وتعقيدات سياسية حيث ترفض بعض الجهات السياسية اللبنانية اطلاق سراح من اتهم بعمليات ارهابية واغتيالات وتفجيرات.
وافادت المعلومات ايضاً، اذا تم الالتزام- لا سيما من الجانب السوري- بما تعهد به الوزير شيباني، فإن العلاقات اللبنانية- السورية ستشهد تقدما مضطردا سريعا، لكن لا بد من تسريع تعيين سفير جديد لسوريا في لبنان لتسريع التواصل والتنسيق، حيث افيد ان السفارة بوضعها الحالي لا تلبي متطلبات تعزيز وتطوير العلاقات بالشكل المطلوب مع لبنان، ولا تلبي الاحتياجات المطلوبة كما يجب للمواطنين السوريين.
وحسب المعلومات (الجديد) فإن زيارة الشيباني تركزت على ملف الموقوفين، حيث انتقد الوفد السوري تباطؤ المعالجة، وتم الاتفاق على متابعته عبر لجان مختصة يتولى التفاوض فيها وزير العدل عادل نصار ونائب رئيس الحكومة طارق متري.
وتضيف المعلومات ان تعقيداتٍ تواجه الاجراءات الممكنة، بسبب معارضة، قوى اساسية اخراج سجناء تطالب بهم دمشق على وجه الالحاح.
وطلب الوزير نصار من نظيره السوري تزويد لبنان بما توافر من معلومات لدى الجهات السورية عن عمليات الاغتيال.
ولوحظ انه فور وصول الوزير الشيباني الى لبنان، وقبل لقائه وزير الخارجية يوسف رجي، تبلّغت وزارة الخارجيّة اللبنانيّة عبر السفارة السوريّة في لبنان، قرار «تعليق عمل المجلس الأعلى اللبناني السوري وحصر كافّة أنواع المراسلات بين البلدين بالطرق الرسميّة الدبلوماسيّة».
وبالنسبة لهذا الموضوع، علمت «اللواء» من مصادر متابعة عن قرب لعمل المجلس الاعلى، انه مجمد اصلاً، وان امينه العام نصري خوري يقوم من بيروت بتسيير بعض الاعمال الادارية في مكتب دمشق، الذي يضم بعض الموظفين الذين يعملون تطوعاً بعد وقف رواتبهم وبعد مداهمة المكتب خلال الاطاحة بالنظام السابق ومصادرة بعض محتوياته، وقد توقف تعامل السلطات السورية الجديدة مع المكتب.
وعقد الشيباني فور وصوله اجتماعاً مع الوزير رجّي تلته مباحثات موسّعة عقدها الجانبان مع الوفدَين اللبناني والسوري الذي ضم وزير العدل مظهر اللويس، رئيس جهاز الاستخبارات السورية حسن السلامة، مساعد وزير الداخلية اللواء عبد القادر طحان ووفد سياسي.
وبعد اللقاء قال شيباني: زيارتنا تعبّر عن توجه جديد لسوريا تجاه لبنان الذي نكن له كل الاحترام والتقدير ونحن نريد ان نتجاوز عقبات وأخطاء الماضي التي كنا نحن ضحاياها أيضًا. ونحن نحترم سيادتنا ولا نتدخل بشؤون لبنان. وهناك فرصة سياسية واقتصادية ونريد أن ننقل العلاقة مع لبنان الى مرحلة جديدة سياسية واقتصادية.
أما رجي فقال: أبشّر اللبنانيين بتعليق العمل بالمجلس الأعلى اللبناني- السوري وإن شاء الله قريباً يصبح خارج القانون. واتفقت مع الوزير الشيباني على إقامة لجان لمعالجة كل الامور العالقة والعلاقات أصبحت مباشرة بين دولتي لبنان سوريا من خلال الاطر الدبلوماسية.
وانتقل الشيباني الى القصر الجمهوري حيث التقى الرئيس جوزاف عون، الذي أبلغ وزير الخارجية السورية، «ان لبنان يتطلع الى تعزيز العلاقات بين البلدين الشقيقين على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتفعيل التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية بما يحقق الاستقرار في كل من لبنان وسوريا. وقال: ان تعميق العلاقات الثنائية وتطويرها يتم من خلال تأليف لجان مشتركة تبحث في كل الملفات العالقة، واهمها الاتفاقيات المعقودة بين البلدين والتي تحتاج حتما الى إعادة ودرس وتقييم.
وأشار عون «الى ان القرار السوري بتعليق العمل في المجلس الأعلى اللبناني-السوري يستوجب تفعيل العلاقات الديبلوماسية. وننتظر في هذا الإطار تعيين سفير سوري جديد في لبنان لمتابعة كل المسائل من خلال السفارتين اللبنانية والسورية في كل من دمشق وبيروت».
ولفت عون ضيفه «الى ان الوضع على الحدود اللبنانية-السورية بات أفضل من السابق، وان المسائل التي تستوجب المعالجة كما اتفقنا عليها مع الرئيس السوري احمد الشرع خلال لقاءين سابقين في القاهرة والدوحة أبرزها موضوع الحدود البرية والبحرية، وخط الغاز، ومسألة الموقوفين. وسنعمل على درس كل هذه القضايا انطلاقا من المصلحة المشتركة».
ومن جانبه، دعا الوزير السوري «الى تعميق التعاون في كل المجالات لاسيما المجالين الاقتصادي والتجاري مع وجود هذا الانفتاح على سوريا وبعد رفع العقوبات عنها، لان لبنان يمكن ان يستفيد من هذه التطورات الإيجابية. وجدد الوزير الشيباني التأكيد على سيادة لبنان والحرص على إقامة علاقات متينة قائمة على الاحترام والتعاون. ونحن نتطلع الى ان نطوي صفحة الماضي لأننا نريد ان نصنع المستقبل». وقال: ان بلاده جاهزة لمناقشة أي ملف عالق سواء كان ملفا اقتصاديا او امنيا.
وعن موضوع النازحين السوريين قال شيباني: نحن نشكر لبنان وشعبه على هذا الكرم وهذه الإستضافة. ونتوقع بعد زوال السبب الذي كان دفع الناس الى الهجرة والنزوح ان يتم حل هذا الموضوع تدريجا. هناك خطط نناقشها اليوم بدعم دولي لكي تكون هناك عودة كريمة ومستدامة، وتعالج الوضع ما بعد الحرب في سوريا من خلال البنى التحتية وإعادة الإعمار وغير ذلك.
وأشارت المعلومات الى انه عندما فاتح الشيباني عون بالدعوة إلى زيارة سوريا قال الرئيس: هناك أولاً الكثير من الملفات العالقة والاتفاقات التي يجب أن تقام مع سوريا، وتحديداً في موضوع تعيين سفير سوري لكي تبدأ هذه العلاقات بشكل واضح. و اشار الى انه سبق ووجه دعوة للرئيس السوري احمد الشرع لزيارة لبنان.
وعُقد في السراي الحكومي اجتماعٌ بين الرئيس نواف سلام ونائب رئيس مجلس الوزراء طارق متري، والوزير رجي، والوزير نصّار من جهة، والوزيرين الشيباني والويس والوفد السياسي المرافق. وشكّل الاجتماع مناسبة للتداول في عدد من الملفات المشتركة، من بينها ضبط الحدود والمعابر ومنع التهريب، وتسهيل العودة الآمنة والكريمة للاجئين السوريين بالتنسيق مع الأمم المتحدة والدول الصديقة، إضافةً إلى ملف الموقوفين السوريين في لبنان والمفقودين اللبنانيين في سوريا.
كما تمّ التطرّق إلى إعادة النظر في الاتفاقيات الثنائية بما يعزّز المصلحة المتبادلة ويواكب المتغيّرات، وإلى إمكانيات تعزيز التعاون الاقتصادي وإعادة الإعمار في سوريا بما يتيح للبنان المساهمة في هذا المسار من خلال خبراته وقدراته.
وأكد الرئيس سلام خلال اللقاء أن لبنان حريص على بناء علاقات سليمة ومتوازنة مع سوريا، على قاعدة التعاون بين دولتين مستقلتين تربطهما الجغرافيا والتاريخ، مشدّدًا على أن الانفتاح والحوار الصادق هما الطريق الوحيد لترسيخ الاستقرار في البلدين والمنطقة.
وقال شيباني: «اكدنا في حديثنا مع فخامة الرئيس، وكذلك مع دولة الرئيس نواف سلام ومع وزير الخارجية، معالجة مختلف المواضيع التي تحتاج إلى نقاش معمّق وإلى لجان تقنية، بما يدفع في عجلة علاقات هادئة ومستقرة، وتفتح المجال أمام شراكات استراتيجية، وهذه القضايا هي تهمّ الجانب اللبناني والجانب السوري على حد سواء، ومن ابرز هذه القضايا هي ما يتعلق باعادة تسريع قضية الموقوفين السوريين في سجن رومية، وقد احدثنا تقدما كبيرا جدا في هذا الملف، وخلال الفترة المقبلة ستكون هناك نتائج ملموسة، كما تكلمنا عن برنامج اعادة اللاجئين عودة كريمة الى ديارهم وبلدهم، كما تحدثنا على ضرورة ضبط الحدود بين البلدين، بما يعزز الأمن والاستقرار، ومن خلال اجتماعات تقنية بين معاون وزير الداخلية ورئيس الاستخبارات السورية في البلدين، ونظرائهم اللبنانيين، وأكدنا على تعزيز التنسيق الأمني والاستخباراتي المشترك بين البلدين، كما تطرقنا إلى سبل عقد لجان تقنية واقتصادية بين البلدين في مجالات الاقتصاد والاستثمار في القطاعين الخاص والعام».
وخلال اجتماع سلام والشيباني، كان مدير عام الأمن العام اللبناني اللواء حسن شقير ومساعد وزير الداخلية السوري للشؤون الأمنية السيد اللواء عبد القادر طحان يعقدان اجتماعا منفرداً، واجتماع بين مدير المخابرات في الجيش اللبناني العميد الركن طوني قهوجي ورئيس جهاز الاستخبارات السوري السيد حسين السلامة. للبحث في القضايا الامنية المشتركة لا سيما موضوع الموقوفين السوريين التي يُصرّ الجانب السوري على انهائها سريعاً.
الرياض تجدِّد دعم الشرعية اللبنانية
وفي اطار استمرار الدعم العربي للبنان، جدد سفير المملكة العربية السعودية في لبنان وليد بخاري امام ملتقى بيروت برئاسة فوزي زيدان التأكيد على «ثوابت السياسة الخارجية السعودية تجاه القضايا العربية، واللبنانية بخاصة منها»، مؤكّداً دعم بلاده للشرعية ومؤسّساتها الدستورية، وانتظام عملها لما فيه عودة لبنان للعب دوره الريادي والحيوي في المنطقة.
تحليق للطيران الإسرائيلي في البقاع
ميدانياً، سُجِّل تحليق للطيران الحربي المسيّر على علو متوسط فوق السلسلة الغربية، والبقاع الاوسط.