تجاذبات الإستحقاق الرئاسي وخطرها على الجمهورية (اللواء ١٣ حزيران)

من أجل إستحقاق رئاسي متزّن ومرّن يُعيد للجمهورية اللبنانية صداها بين الأمم وعملاً بمقدمة الدستور وإستناداً للفقرة /ب/ قد يكون من المفيد لا بل من الضروري معالجة هذا الإستحقاق برصانة المسؤولية والتعاون فيما بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة. ففي تاريخ العالم لم تشهد منطقة أو بقعة ما شهدته الجمهورية اللبنانية من تجاذبات فيما خص أغلب الاستحقاقات ومنها الإستحقاق الرئاسي وهذه مصيبة تحصل تباعاً كلما اقتربنا من موضوع إنتخاب رئيس جديد للجمهورية.
نحن كمغتربين ومتابعين لأوضاع الجمهورية وإنطلاقاً من غيّريتنا على جمهوريتنا وبكون نظرتنا إلى جــوهر هذه الأزمة المستحفلة عند إقتراب هذا الإستحقاق لوجدنا خليطاً من الأزمات العصيّة بين عقليتين وطنية وإرتهانية، وقد تجسّد في العامل السياسي والثقافي الذي أدّى إلى الإنشقاق بين اللبنانيين ثم إتخذ منحى أخيراً في التزاحم الذي يقوم بين الدول الغربية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وعلى ما يبدو أنّ الساحة في حاضرها وواقعها تخضع للسيطرة الإيرانية ونفوذها بواسطة ميليشيا أوجدتها رغماً عن إرادة اللبنانيين ورغماً عن إرادة القانون الدولي الذي يمنع أي تدخّل في شؤون الدول.
حالياً الصراع يتمثل بقوتين على الأرض اللبنانية هما إيران بواسطة ممثلها في لبنان وبقايا ثورة فاشلة لا تستطيع حسم الأمور حتى ولو لصالح الدستور اللبناني وهي أضعف من أن تكون موجودة على طاولة القرار. إنّ ما يُعرف بالمعارضة حالياً غير قادرة على المبادرة بطرح تسوية رئاسية فمقاربة هذا الإستحقاق بهذا الوضع من شأنه أن يُصبغه بالفشل. لأنّ من طُلِبَ منه التفاوض فيما خص موضوع الإستحقاق الرئاسي لا يمتلك عناصر القوة والضغط في كل ميادينها.
عملياً نحن بحاجة إلى إستراتيجية تفاوضية وأقصد بـ«إستراتيجية» في معانيها المتّشعبة والمتعدِّدة، والهدف وضع خطة دفاعية بجميع مستلزماتها البشرية والفكرية والمادية من قوى فاعلة سياسية – إقتصادية – فكرية وحتى عسكرية عند الإقتضاء لتدارك الإستراتيجيات الخارجية الهدّامة المستهدفة للجمهورية وللشعب اللبناني، وذلك لمعالجتها في مختلف النزاعات القائمة التي سبّبتها من الداخل والخارج.
لمقاربة الإستحقاق الرئاسي يجب إعتماد إستراتيجية متشعبة، وإنما هي فنّ السعي السياسي المُسالم لتخليص لبنان وشعبه من الإستراتيجيات المرتكزة على المصالح والأنانيات والأطماع الخارجية. ومن ثم علينا أن نتوخّى بكل موضوعية وعقلانية إلقاء نظرة واقعية ومقتضبة على المرحلة المصيرية من تاريخنا اللبناني الموصوف بغدر المسؤولين الذين أتونا بثوب الحمل الوديع ناكحين الديمقراطية وما تبقّى من مؤسسات شرعية.
مطلوب النظر بواقعية دونما إسقاط الإيجابيات أو تجاهل السلبيات التي نتجت عن هذا النظام الذي أرغمنا على التكيُّف مع أخطائه بسبب قادة رأي خُصيان وهم على ما بات يُصنّفون بـ«أهل الحكم» ومعاونيهم بما أظهروه من تعاضد واهٍ وإخلاص مُقنّع وفي محدودية تصويب الأهداف والتقصير في تحقيق أحلام اللبنانيين وطموحاتهم من أجل بناء وطن موّحد يتعالى على الطائفية والمذهبية والتعصُّب.
مقاربة الإستحقاق الرئاسي يجب أن تكون موضوعية دونما نعت «غالب ومغلوب» وإلّا ستكون نتيجة الأمور مأساوية وما سيحصل في جلسة الرابع عشر من حزيران ما هو إلاّ فولكلور مدروس من قبل كل الأطراف اللاعبة على المسرح السياسي اللبناني فغالبيتهم لا يملكون حس حسم موضوع الإستحقاق الرئاسي بل سيُماطلون قدر المستطاع… ما وصّفت واقع الأمر بمثابة ذر الرماد في العيون القصيرة النظر، ولن أحاول تبرئة أحد من القادة سواء أكانوا روحيين أو علمانيين… بل توصيفي للوضع العام وللإستحقاق الرئاسي هو بمثابة كلمة حق وصدق حول ما يجري في لبنان وتحديداً جلسة الرابع عشر من حزيران.
إنني أدعو كل القادة إلى محاولة فحص ضمير لبناني فردي وجماعي، مسيحي وإسلامي، عما يحصل عندما يفرض منطق الأحداث والتاريخ والأخلاق حكمه الحضاري والتطوري كما في كل زمان ومكان.