هل بلغ الذّكاء الاصطناعي حدود إمكانيّاته؟ “أوبن إيه آي” تواجه تحدّيات التّوسع
تشير التقارير إلى أن شركة “أوبن إيه آي”، الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، تواجه تحديات في تحسين نموذجها الجديد، الأمر الذي ينذر بمستقبل يتسم بتباطؤ التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي عامة. ووفقاً لتقرير صادر عن موقع The Information، فإن نموذج الذكاء الاصطناعي الجديد للشركة، المسمى “أوريون” Orion، يُظهر تحسينات أقل مقارنة بالإصدارات السابقة مثل GPT-4 وأفادت بعض المصادر الداخلية بأن الفجوة في الأداء بين “أوريون” و GPT-4 لم تكن بقوة الفجوة نفسها بين GPT-3 وGPT-4، خاصة في المهام المتعلقة بالبرمجة.
هذا التطور يعيد إلى الواجهة النقاشات حول إمكانية تطوير نماذج متقدمة من الذكاء الاصطناعي ومفاهيم قوانين التوسع، وهي القواعد النظرية التي تشرح كيف يتحسن أداء النماذج مع زيادة حجمها ومواردها.
صرّح سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لـ”أوبن إيه آي”، على منصة “إكس” (تويتر سابقاً) في شباط (فبراير) الماضي، بأن “قوانين التوسع يحددها الله، بينما تُحدد الثوابت من قبل الفرق التقنية”. ويُقصد بقوانين التوسع أن النماذج تصبح أكثر ذكاءً بزيادة حجمها وإتاحة المزيد من البيانات وقدرة الحوسبة
ورغم تمسك ألتمان بفكرة أن هناك معادلة مسبقة تحدد حدود الذكاء الاصطناعي، فقد أشار تقرير The Information إلى أن أعضاء الفريق التقني في “أوبن إيه آي” بدأوا يشككون في هذه القوانين، وسط نقاشات متزايدة في “وادي السيليكون” حول أدلة متزايدة تشير إلى أن النماذج الرائدة قد تصل إلى “حائط” في أدائها.
ورغم أن تدريب “أوريون” لم يكتمل بعد، إلا أن “أوبن إيه آي” لجأت إلى إجراءات إضافية لتحسين الأداء، مثل إدخال تحسينات ما بعد التدريب باستخدام التغذية الراجعة من البشر. ويشير التقرير إلى أن النموذج الجديد، الذي كُشف عنه لأول مرة قبل عام، قد يحقق تحسينات كبيرة قبل طرحه في الأسواق، ولكنه يعد إشارة إلى أن الأجيال القادمة من نماذج الذكاء الاصطناعي قد تبدو أقل إبهاراً مقارنة بالإصدارات السابقة.
التحديات المرتبطة بقوانين التوسع
هناك سببان رئيسيان قد يحدان من التقدم في هذا المجال: البيانات وقدرة الحوسبة. في ما يتعلق بالبيانات، يزداد صعوبة الحصول على بيانات جديدة، إذ استنفدت الشركات كميات هائلة من البيانات المتاحة عبر الإنترنت، بما في ذلك النصوص والفيديوهات والأبحاث والروايات، لتدريب نماذجها. وقد توقعت شركة “إيبوك أيه آي” للأبحاث أنه بحلول عام 2028 قد تستنفد الشركات جميع البيانات النصية القابلة للاستخدام. ومن أجل التغلب على هذا التحدي، بدأت الشركات تعتمد على البيانات الاصطناعية التي تُنتج بواسطة الذكاء الاصطناعي نفسه، ولكن لهذه البيانات أيضاً تحدياتها.
ويعتمد الذكاء الاصطناعي في تطوير أدائه أيضاً على قدرة الحوسبة. ومع ذلك، فإن هذه القدرة ليست بلا حدود. وقد أشار ألتمان في حديث على منصة “ريديت” الشهر الماضي إلى أن شركته تواجه “الكثير من القيود والقرارات الصعبة” بخصوص تخصيص موارد الحوسبة. ولا غرابة في أن بعض الخبراء في هذا المجال بدأوا يلاحظون أن نماذج الذكاء الاصطناعي التي أُطلقت هذا العام قد تُظهر تقدماً أقل وضوحاً مقارنة بالإصدارات السابقة.
تناقص العوائد
يعتقد جاري ماركوس، أستاذ فخري في جامعة نيويورك وناقد بارز للضجيج المحيط بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، أن التطوير في هذا المجال مقدر له أن يصل إلى “حائط”، حيث يرى أن الذكاء الاصطناعي يظهر بالفعل علامات على “تناقص العوائد”. وقد عبّر عن هذه الفكرة في منشور على منصة Substack بعنوان “مؤكد: نماذج الذكاء الاصطناعي الضخمة وصلت بالفعل إلى نقطة تناقص العوائد”.
وقد اتفقت وجهة نظر ماركوس مع رد فعله على إطلاق نموذج “كلود 3.5” من شركة Anthropic، إذ قال إن النموذج الجديد أظهر تحسناً طفيفاً في الأداء في مجالات مثل التفكير المتقدم والترميز والرياضيات المتعددة اللغات، مؤكداً أن أداءه كان في “النطاق نفسه للعديد من النماذج الأخرى”.
وأضاف ماركوس أن السوق الاستثماري في الذكاء الاصطناعي أنفق مليارات الدولارات لتجاوز المنافسة، ولكن النتائج تشير إلى “التقارب في الأداء بدلاً من النمو الأسي المستمر”.
إيليا ساتسكيڤر، أحد مؤسسي “أوبن إيه آي”، أشار إلى فكرة مماثلة. ففي يوم الاثنين، عقب صدور تقرير The Information، قال ساتسكيڤر لوكالة “رويترز” إن نتائج التوسع في التدريب الأولي قد بلغت ذروتها، مضيفاً: “أصبح توجيه التوسع في الاتجاه الصحيح أكثر أهمية من أي وقت مضى”.
التفاؤل المستمر بالتوسع
على الرغم من هذه التحديات، لا يزال بعض قادة القطاع متفائلين بشأن إمكانيات التوسع. ففي تموز (يوليو)، صرّح كيفين سكوت، المدير التقني لشركة “مايكروسوفت”، بأنه لا يزال يرى مجالاً للتقدم، قائلاً: “على عكس ما يعتقده البعض، لم نصل بعد إلى مرحلة تناقص العوائد على التوسع”.
وقد تكون هناك استراتيجيات جديدة لتعزيز ذكاء النماذج، مثل تحسين جانب “الاستدلال” في عملية التطوير، حيث يتضمن الاستدلال العمل على تحسين مخرجات الذكاء الاصطناعي من خلال بيانات لم يتم التدريب عليها من قبل.
في أيلول (سبتمبر)، طرحت “أوبن إيه آي” نموذج “OpenAI o1” الذي ركّز أكثر على تحسينات الاستدلال. وقد تفوق النموذج الجديد على سابقيه في المهام المعقدة، حيث حقق مستوى من الذكاء مشابهاً لمستوى طلاب الدكتوراه في اختبارات قياسية بمجالات الفيزياء والكيمياء والأحياء.
ورغم التحديات، يبقى الإيمان بقوانين التوسع ثابتاً لدى الكثيرين في هذا المجال. ومع استمرار التقدم، قد نرى إعادة تقييم للضجة المحيطة بالذكاء الاصطناعي إذا لم تلب النماذج المستقبلية التوقعات العالية.