“فرص وتحديات”.. كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي في صناعة الأدوية؟
تعد صناعة الأدوية واحدة من أهم القطاعات في المجال الطبي؛ ذلك أنها تهدف إلى تطوير علاجات فعالة للأمراض وتحسين جودة الرعاية الصحية.
على مر السنوات الأخيرة، شهدت هذه الصناعة عديداً من التطورات، فيما دخلت نماذج الذكاء الاصطناعي على الخط لتُبشر بثورة كبيرة بفضل تقنيات التعلم الآلي، إذ يمكن للذكاء الاصطناعي أن يؤثر بشكل كبير على عمليات اكتشاف الأدوية وتطويرها وإنتاجها وتوزيعها.
يتيح الذكاء الاصطناعي أمام شركات الأدوية والباحثين عديداً من الفرص والتحديات الجديدة، وقد يسهم في تحسين عملية تطوير وتسويق الأدوية بشكل عام.
ويمكن أن تشمل استخدامات الذكاء الاصطناعي في صناعة الأدوية مجموعة واسعة من التطبيقات المبتكرة، من بينها: اكتشاف الدواء والتصميم الدوائي، علاوة على التحليل الحيوي والتنبؤ بالتفاعلات، جنباً إلى جنب وتحسين التجارب السريرية، ووصولاً إلى التشخيص المبكر والتوجيه العلاجي الشخصي، وحتى تحسين عمليات الإنتاج والتوزيع.
وبفضل هذه التطبيقات والتقنيات، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحدث تغييرات ثورية في صناعة الأدوية من خلال تسريع عمليات الابتكار، وتحسين جودة وفاعلية العلاجات، وتوجيه الرعاية الصحية بشكل أكثر دقة وشمولية.
المزيد من الوقت
لكنّ الذكاء الاصطناعي حتى الآن لا يمكنه أن يكون بديلاً للتجارب السريرية التي تدعم فهم المرض، وبالتالي فإن اكتشاف الأدوية المدعومة بالـ AI يتطلب مزيداً من الصبر ويستغرق وقتاً، بحسب تقرير لصحيفة “فاينانشال تايمز”، أفاد بأن:
دورة الضجيج الخاصة بالذكاء الاصطناعي تعتمد على الإعلانات المبهرجة التي تحطم الأرقام القياسية!
على سبيل المثال، فإنه في أبريل الماضي، أعلنت شركة Xaira الناشئة، ومقرها سان فرانسيسكو، عن أنها جمعت مليار دولار في واحدة من أكبر عمليات الانطلاق في مجال التكنولوجيا الحيوية على الإطلاق.
تزعم Xaira أن تطوير الأدوية مهيأ لثورة الذكاء الاصطناعي.
لكن التقرير يفيد بأن Xaira ليست وحدها في هذا السياق. ونقل عن المؤسس المشارك لشركة Google DeepMind، ديميس هاسابيس، قوله: إن علم الأحياء يمكن أن يكون “مثاليًا” للذكاء الاصطناعي، لأنه في الأساس نظام لمعالجة المعلومات.
هناك أعداد متزايدة من المركبات المشتقة من الذكاء الاصطناعي قيد التطوير. وحددت منظمة الصحة العالمية ما لا يقل عن 73 نوعاً في هذا السياق، وعلى الرغم من عدم الموافقة على استخدام أي منها في البشر بعد، إلا أن بعض الشركات تقترب من ذلك.
كانت شركة Insilico Medicine، التي تقدمت أخيراً بطلب للاكتتاب العام الأولي في هونغ كونغ، أول من أدخل عقاراً مصمماً للذكاء الاصطناعي في المرحلة الثانية من التجارب السريرية.
لكن تقرير الصحيفة يشير إلى أن:
الذكاء الاصطناعي لا يشكل حتى الآن بديلا للتجارب التي تدعم فهم المرض.. فقد شهد القطاع بالفعل بعض المشاكل.
لا تعاني صناعة الأدوية من نقص في الأموال أو التحفيز عندما يتعلق الأمر بتحسين معدلات نجاح اكتشاف الأدوية باستخدام الذكاء الاصطناعي.
حصلت حوالي 200 شركة من شركات التكنولوجيا الحيوية على أكثر من 18 مليار دولار في العقد المنتهي في العام 2023، وفقا لشركة BCG الاستشارية.
ثورة في صناعة الأدوية
وعلى المدى الطويل، يمكن أن يُحدث الذكاء الاصطناعي (AI) ثورة في جميع جوانب صناعة الأدوية، بدءًا من اكتشاف الأدوية وتطويرها وحتى التصنيع والتسويق. توفر هذه التكنولوجيا القوية إمكانات هائلة لتحسين رعاية المرضى وخفض التكاليف والإسراع في تطوير أدوية جديدة.
ويستعرض الخبير في تكنولوجيا المعلومات من الولايات المتحدة، الدكتور أحمد بانافع، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، بعض الأمثلة على كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في المستحضرات الصيدلانية:
اكتشاف أدوية جديدة: يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل كميات هائلة من البيانات الجزيئية والكيميائية والبيولوجية، مما يساعد على تحديد المركبات الجديدة ذات الإمكانيات العلاجية المحتملة.
تصميم الأدوية: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد الباحثين في تصميم جزيئات دوائية جديدة بشكل أكثر كفاءة من خلال محاكاة التفاعلات الجزيئية والتنبؤ بالخصائص الفيزيائية والكيميائية للمركبات.
التجارب السريرية: يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل مجموعات البيانات الكبيرة المستمدة من التجارب السريرية، مما يساعد على تحديد الاتجاهات والعلاقات التي قد لا تكون واضحة للباحثين من البشر.
العلاج الشخصي: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد الأطباء على تصميم علاجات أفضل لكل مريض على حدة من خلال تحليل البيانات الجينية والسريرية وبيانات الاستجابة للعلاج.
تصنيع أكثر كفاءة: يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين عمليات تصنيع الأدوية، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية وخفض التكاليف.
تسويق الأدوية: يمكن للذكاء الاصطناعي تحديد المرضى الذين من المرجح أن يستفيدوا من الأدوية الجديدة وتقديم رسائل تسويقية مستهدفة.
تحديات
ويضيف: على الرغم من هذه الإمكانيات الهائلة، هناك أيضًا تحديات يجب معالجتها لضمان الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي في المستحضرات الصيدلانية:
البيانات: تتطلب نماذج الذكاء الاصطناعي كميات هائلة من البيانات عالية الجودة للتدريب والتشغيل.
الخصوصية والأمان: يجب حماية بيانات المريض بشكل صارم من الوصول غير المصرح به أو سوء الاستخدام.
قابلية التفسير: قد يكون من الصعب فهم كيفية وصول نماذج الذكاء الاصطناعي إلى قراراتها، مما يؤدي إلى مخاوف بشأن الشفافية والمساءلة.
التنظيم: لا تزال هناك حاجة إلى مبادئ توجيهية تنظيمية واضحة لضمان التطوير الآمن والفعال واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ويختتم بانافع تصريحاته قائلاً: يوفر الذكاء الاصطناعي إمكانات هائلة لتحسين صناعة الأدوية وتقديم علاجات أفضل للمرضى. ومع ذلك، فإن مواجهة التحديات المذكورة أعلاه أمر بالغ الأهمية لضمان الاستخدام المسؤول لهذه التكنولوجيا القوية.
أبحاث جديدة
وبحسب تقرير نشرته شبكة “سي إن بي سي” الأميركية:
تفاجأ العلماء في شركة Eli Lilly بالتصميم الجديد للجزيئات التي أنتجها الذكاء الاصطناعي كجزء من أبحاث اكتشاف الأدوية الافتراضية.
تم تحديد سابقة رئيسية للاختراقات التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي في علم الأحياء في العام 2021 عندما توصلت شركة DeepMind AI من Google، والمعروفة بتفكيرها الإبداعي في مجالات تتراوح من اللعبة الإستراتيجية Go إلى الموسيقى والفيديو والحوسبة السحابية، إلى بروتين جديد يسمى AlphaFold
في غضون سنوات قليلة، يقول الخبراء في شركتي Eli Lilly وإنفيديا إن الذكاء الاصطناعي لن يبتكر أدوية جديدة فحسب، بل أدوية لا يستطيع البشر صنعها.
ومن أبرز أورده تقرير الشبكة الأميركية، فإنه:
وفقًا للمديرين التنفيذيين العاملين في مجال التقاطع بين الذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية، فإن هذا المجال يسير على مسار سيشهد إنتاج الأدوية بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي في المستقبل القريب.
وفقا للبعض، فإنه في غضون سنوات قليلة على الأكثر سوف يصبح معيارا في اكتشاف الأدوية.
يعمل الذكاء الاصطناعي التوليدي على تسريع وتيرة تطبيقه على التطورات واكتشاف الأدوية الجديدة، في خطوة من شأنها أن تعيد تشكيل ليس فقط صناعة الأدوية ولكن الأفكار عموماً التي تم بناؤها في المنهج العلمي لعدة قرون.
اكتشاف الأدوية هو عملية مشاهدة التفاعلات والتغيرات في السلوك البيولوجي، وأن ما قد يستغرق شهورًا أو سنوات في المختبر، يمكن تمثيله في نماذج حاسوبية تحاكي السلوك البيولوجي التقليدي (..).
ويعتقد مؤيدو الذكاء الاصطناعي أنه سيوفر الوقت ويحسن معدلات النجاح، ويحول العملية الكلاسيكية إلى هندسة أكثر منهجية وقابلة للتكرار، مما يسمح للباحثين في مجال الأدوية بتحقيق معدل نجاح أعلى.
وبحسب نتائج دراسات حديثة منشورة في مجلة Nature ، فإن عملية اكتشاف الأدوية التي ربما كانت تستغرق سنوات يمكن اختصارها إلى أشهر بمساعدة الذكاء الاصطناعي.
طفرة نوعية
من جانبه، يقول أخصائي التطوير التكنولوجي، هشام الناطور، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الذكاء الاصطناعي يدخل في مفاصل الحياة اليومية للإنسان في كل شيء تقريباً، بدءاً من صناعة المحتوى ووصولاً للصناعات الثقيلة، موضحاً أنه يومياً تتم إضافة أدوات وتطبيقات وتحديثات جديدة، من شأنها أن تشكل ثورة في مجالات متعددة.
فيما يخص صناعة الأدوية تحديداً، يشير إلى أن تلك الصناعة يُمكن أن تشهد طفرة كبيرة بفضل هذه التقنيات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، ونقلة نوعية في مختلف مراحل صناعة الأدوية، بداية من اكتشاف الأدوية وتطويرها ووصولاً إلى تصنيعها وتوزيعها.
ويضيف: “تتعامل تطبيقات الذكاء الاصطناعي مع كميات هائلة من المعلومات والبيانات، وتستطيع تحليلها بسرعة كبيرة.. ولهذا السبب فإن قدرة الذكاء الاصطناعي على تحليل البيانات البيولوجية والجينية، يمكن أن تكون عاملاً داعماً في تحديد تركيبات جديدة وعلاجات ذات خصائص علاجية محتملة”.
ويشدد الناطور على أن من شأن الذكاء الاصطناعي تصميم أدوية جديدة بناءً على تحليل كميات كبيرة من البيانات الضخمة وفي وقت قياسي، على اعتبار أن قدرة الإنسان على تحليل تلك البيانات تكون محدودة أمام سرعة الحاسوب، وبما يسهل كثيراً من الأمور.
كما أنه من شأن تلك التطبيقات التنبؤ بفعالية وسلامة الأدوية الجديدة قبل إجراء التجارب السريرية، لا سيما وأنه من خلال قاعدة البيانات والمعلومات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي يمكن قياس مدى ملائمة تلك التركيبات وما إن كانت تشكلا خطراً على حياة الإنسان.
ويتحدث الناطور في السياق نفسه عن عامل “الوقت” في صناعة الأدوية، بالنظر إلى أنه عامل يُحسب ضمن التكلفة النهائية التي تواجهها شركات تصنيع الأدوية، بينما يوفر الذكاء الاصطناعي كثيراً من الوقت في تحليل البيانات. علاوة على أنه يُمكن أن يسهم الذكاء الاصطناعي في تصميم أدوية جديدة على حسب الحالة المرضية لمريض ما بشكل خاص منفرد.
ومن ثم يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحدث ثورة في صناعة الأدوية من خلال:
يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل البيانات الضخمة بشكل أكثر فعالية لاكتشاف تركيبات جديدة للأدوية وتوقع تأثيراتها المحتملة.
الذكاء الاصطناعي يمكن استخدامه في تحسين عمليات تصميم الدواء بشكل مخصص لزيادة فعاليته وتقليل الآثار الجانبية.
يستخدم الذكاء الاصطناعي تقنيات التعلم العميق لتحليل الصور الطبية والبيانات السريرية لتحديد الأمراض بدقة أكبر وتوجيه العلاج الملائم.
يمكن تحسين عمليات إنتاج الأدوية وتوزيعها باستخدام الروبوتات والنظم المتقدمة لضمان الجودة والكفاءة.
كذلك يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل البيانات الشخصية للمرضى وتحديد العلاج الأكثر فعالية وفعالية لكل فرد بناءً على خصائصه الفردية.
هذه التطبيقات تساعد في تحسين سرعة وكفاءة تطوير الأدوية وجودتها، مما يسهم في إحداث ثورة في صناعة الأدوية وتقديم علاجات أكثر دقة وفاعلية للمرضى.