ورقة الهيئات الإقتصادية اللبنانية .. تطلعات نحو لبنان الجديد

مقدمة
إنطلاقاً من النتائج السلبية المسجلة على أرض الواقع سياسياً ومالياً وإقتصادياً وإجتماعياً ومعيشياً وخدماتياً وبيئياً وغير ذلك الكثير، وإنطلاقاً من الفشل الكبير في إدارة شؤون البلاد والعباد على مختلف المستويات، وأيضاً من ترتيب لبنان المتدني على سلم مختلف المؤشرات العالمية،
بات واضحاً إن نمطية عمل الدولة اللبنانية بكليتها والتي كانت قائمة أقله بعد العام 2005، باتت غير نافعة لا بل مضرة.
من هنا، فإن تغيير هذا الواقع المرير وإخراج لبنان من الهاوية وإعادته الى طريق التعافي والنهوض وإستعادة الثقة بالدولة اللبنانية في الداخل والخارج، يتطلب تغييراً كلياً في ذهنية إدارة الدولة والعمل السياسي والإنتقال من الأقوال والشعبوية الى أفعال قوية وراسخة تنفذ سريعاً وتؤسس لقيام دولة حضارية عصرية تعتمد بشكل أساسي على المكننة والحوكمة والإدارة الرشيدة.
إن القضية الأساسية والجوهرية، تبقى في بناء دولة عصرية تشبه المواطن اللبناني، المميز والمبادر والمبدع، وتستجيب لكل تطلعاته وتطلعات شاباته وشبابه، دولة قادرة على توفير الإستقرار والأمن والأمان، وعلى إدارة كل الثروات والإمكانات والقدرات المتاحة على إختلافها بشكل منتج وفاعل، دولة ذات أهداف بعيدة المدى على مستوى التقدم والتطور والإزدهار وتحسين مستوى معيشة وحياة اللبنانيين.
وإنطلاقاً من هذه المقومات والمسلمات، فإن الهيئات الإقتصادية رأت مع بداية المرحلة الجديدة وملاقاةً لإنتخاب رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ولخطاب القسم أن تضع هذه الورقة التي عملت على إعدادها خلال الفترة الماضية تحت عنوان: تطلعات نحو لبنان الجديد، أمام الرأي العام اللبناني والمسؤولين اللبنانيين.
أولاً – خيار الدولة وإنتظام عمل المؤسسات الدستورية
توليد قناعة نهائية لدى كل الأطراف السياسية بأن الخيار الوحيد لمستقبل جيد ومشرق للبنان والشعب اللبناني هو الدولة، كون هذا الخيار يحقق مصالح جميع اللبنانيين من دون إستثناء وعلى مختلف المستويات.
واليوم في خضم إنهيار الدولة، وبعد الشلل الطويل الذي تَحَكَّمَ بمؤسساتها الدستورية، لا بد من الإنطلاق بمسار راسخ يستند بشكل أساسي إلى إنتخاب الرئيس العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية وما يتمتع به من ثقة ومحبة اللبنانيين وإحترام ودعم المجتمع العربي والدولي، وعلى خطاب القَسَمّ الذي شكل وثيقة وطنية تاريخية، على أن يرتكز على أمرين أساسيين:
1- تشكيل حكومة إنقاذية – إصلاحية تتعاون بشكل إيجابي وَبّناء مع رئيس الجمهورية، تضم وزراء يتمتعون بالنزاهة والكفاءة والخبرة الكافية لإدارة الملفات والمهام الشائكة الموجودة على مساحة الوطن وفي مختلف المجالات، على أن يسري هذا الأمر على حكومة، أو حكومات ما بعد الإنتخابات النيابية.
2- تفعيل عمل مجلس النواب، عبر عقد دورات متتالية للمجلس، لإنجاز كل التشريعات والقوانين المطلوبة لعملية الإصلاح والتحديث والنهوض.
ثانياً – إستقامة العمل السياسي
مما لا شك فيه، ان تجارب العمل السياسي في لبنان وخصوصاً عمل الحكومة والمشاكل والأزمات الكبيرة والعميقة التي نتجت عنها، تؤكد وبشكل لا لبس فيه، وجود حاجة ماسة لتصويب الإختلالات الحاصلة في هذا المسار، عبر الآتي:
- الإلتزام إلتزاماً كاملاً بالدستور وبوثيقة الوفاق الوطني (إتفاق الطائف) نصاً وروحاً.
- ترسيخ القناعة لدى القوى السياسية بالتنافس الديموقراطي، وبالتنافس من أجل مصلحة المواطن والمجتمع والدولة وليس من أجل مصالحها الخاصة.
- الإقلاع نهائياً عن سياسة التعطيل التي تمت ممارستها على مدى سنوات طويلة لتحقيق أهداف وغايات سياسية خاصة، والتي كان من نتائجها “الخراب” بكل ما من معنى للكلمة.
- تنفيذ أحكام الدستور، بالنسبة لآلية إتخاذ القرارات في مجلس الوزراء خصوصاً تلك التي لا يتم التوافق عليها، بحيث يتم إقرارها بالأكثرية المطلقة أو بأكثرية الثلثين لبعض القرارات الهامة ( التشريعية والتنفيذية والقضائية) التي حددها الدستور، والإقلاع نهائياً عن فرض إقرار قرارات مجلس الوزراء بـ”الإجماع” الذي كان سائداً والذي يعتبر سلوكاً غير دستورياً أدى الى شَلّ البلد.
- الإلتزام إلتزاماً كلياً ونهائياً بالفصل التام بين السلطات تطبيقاً للدستور، كون ذلك يعزز عمل هذه المؤسسات ويرفع من إنتاجيتها، ويساعد في تحقيق الأهداف الحقيقية التي تصب في مصلحة المجتمع والوطن، في إطار من المساواة.
- العمل على الولوج الى الدولة المدنية وترسيخ مبدأ المواطنة.
ثالثاً – بناء مؤسسات الدولة وإداراتها
الى جانب القضايا الملحة التي تفرض نفسها الآن لا سيما تلك المتعلقة بالأمور الإغاثية للبنانيين الذين دُمِّرت منازلهم بشكل كامل أو تلك التي باتت غير صالحة للسكن جراء العدوان الإسرائيلي، يجب إعطاء أولوية قصوى لإعادة بناء مؤسسات وإدارات الدولة، التي من دونها لا يمكن للدولة أن تنهض وللمجتمع أن يتقدم مهما بلغت قوته وقدراته وإمكاناته.
إن القيام بهذه العملية تتطلب إرادةً وتصميماً عالِيَين وجهوداً جبارة للوصول الى الأهداف المرجوة، كونها عملية جوهرية وهي تطال مختلف مفاصل الدولة. على أن تتناول هذه العملية الآتي:
- إصلاح القضاء بشكل جذري، بما يضمن إستقلاليته وتفعيله على مختلف مستوياته من أجل القيام بدوره كاملاً، إن كان في ما خص أجهزة وهيئات الدولة الرقابية (ديوان المحاسبة، التفتيش المركزي، مجلس شورى الدولة، الهيئة العليا للتأديب) لمراقبة ومحاسبة وتصويب عمل مؤسسات الدولة والعاملين فيها وبشكل أساسي مكافحة الفساد وحماية الأموال العامة. كما يستوجب هذا الموضوع وبشكل حثيث تطوير وتفعيل نظام المساءلة والمحاسبة.
وكذلك الأمر بالنسبة للقضاء العدلي لتحقيق العدالة في القضايا المدنية على إختلافها. فوجود قضاء يحمي حقوق الدولة والمواطن والمجتمع ويوفر العدل والعدالة الحقيقية هو من أسس بناء دولة حديثة مستقرة وآمنة ومزدهرة.
- العمل على دعم وتقوية الجيش اللبناني وتجهيزه وتعزيز قدراته لتمكينه من القيام بمهامه ومسؤولياته كاملة لا سيما بسط سلطة وسيادة الدولة على كامل أراضيها وتطبيق القرار 1701 وحماية الحدود، وكذلك تقوية وتفعيل كل الأجهزة الأمنية لتمكينها من القيام بواجباتها كاملةً في تطبيق القانون وفرض الأمن وحماية السلم الأهلي ومكافحة الجريمة على أنواعها.
- إصلاح القطاع العام ورفع إنتاجيته وكفاءته خدمة للمجتمع والدولة، وهنا لا بد من القيام بالآتي:
- إعادة هيكلة القطاع العام، عبر:
- وضع مخطط توجيهي مبني على أسس علمية ويرتكز على التجارب الحاصلة على مدى عقود من الزمن، ولما سيرتبه إدخال أساليب عمل حديثة التي سيتم ذكرها تباعاً في الورقة، بهدف تحديد الأهداف الجديدة التي سيخدمها القطاع العام، وكذلك تحديد الوظائف والإدارت والمؤسسات المطلوبة والمنتجة للإبقاء عليها، ودمج أخرى بعضها ببعض، وإلغاء تلك التي لا جدوى منها.
- ترشيق القطاع العام، بخفض عدد العاملين فيه من ضمن رؤية ترتكز على ضمان فعاليته وكفاءته والإحتفاظ بالكادر البشري الأكثر كفاءة، وعلى الحاجة الفعلية للموظفين، وكذلك الأخذ بعين الإعتبار المعدلات العالمية المعتمدة لعدد العاملين في القطاع العام نسبة للقوى العاملة في البلاد. علماً ان العدد الكبير جداً للعاملين في القطاع العام في لبنان كان سبباً رئيسياً في حصول الإنهيار المالي.
- إبعاد التدخلات السياسية عن القطاع العام، خصوصاً بالنسبة للتوظيف والزبائنية لجهة الحصول على الخدمات ما يجعلها فئوية عوضاً ان تكون شاملة لكل اللبنانيين في إطار من المساواة ومن ضمن معايير محددة.
- تطوير أساليب وآليات العمل في الوزارات وفي مؤسسات الدولة وإدارتها، وإعتماد المكننة والتوقيع الإلكتروني.
- إنشاء الهيئات الناظمة التي طال انتظارها لعدد من القطاعات (الكهرباء – الإتصالات – الطيران المدني)، كمدخل للإصلاح البنيوي وتطوير القطاعات المستهدفة.
- إعتماد الشباك الموحد للمعاملات والتراخيص على إختلافها، لتسهيل وتسريع إنجازها.
- تخصيص إدارة المرافق العامة ومؤسسات الدولة الخدماتية، من خلال تلزيمها عبر مناقصات عالمية بما يضمن إصلاحها وتطويرها وتحسين خدماتها وزيادة مداخيلها.
- تفعيل تطبيق قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والنظر في إمكانية إعتماد الـBOT والخصصة في إستثمار بعض القطاعات الإقتصادية والخدماتية.
- تفعيل مجلس الخدمة المدنية للقيام بمهامه وبشكل أساسي الإشراف على عملية التوظيف في القطاع العام من ضمن معايير تعتمد الكفاءة والمؤهلات العلمية والتعليمية (الشخص المناسب في المكان المناسب)، وكذلك من أجل تطوير كفاءة العاملين في القطاع العام.
- تفعيل عمل هيئة الشراء العام، وتطبيق قانون الشراء العام بكامل مندرجاته لا سيما بالنسبة لمشتريات الدولة وتلزيماتها.
رابعاً – النهوض الإقتصادي وبناء دولة عصرية
إن إعادة لبنان الى طريق التعافي والنهوض وبالتالي بناء دولة عصرية مزدهرة لديها حضور إقليمي ودولي ليست بالمهمة المستحيلة، إنطلاقاً مما يتمتع به من قدرات وعوامل كثيرة تساعد في تحقيق ذلك، ومنها: موقعه الجغرافي، طبيعته ومناخه وإرثه الثقافي والتاريخي، وبشكل أساسي إمتلاكه قطاع خاص قوي وإنتشار إغترابي واسع حول العالم، وكذلك إمتلاكه أعداد كبيرة من الموارد البشرية العالية الكفاءة والخبرة التي حققت إنجازات هائلة بالداخل والخارج، فضلاً عن إمكانية إكتشاف النفط والغاز.
من هنا فإن تحقيق ذلك يتطلب شروطاً لا بد منها، لعل أبرزها:
1- وضع وتنفيذ برنامج تعافي إقتصادي ومالي وإجتماعي عادل وموثوق، يتناول الآتي:
– إعادة هيكلة القطاع المالي: وزارة المالية، مصرف لبنان والمصارف.
– الخروج وبشكل سريع بحلول لمعالجة موضوع الودائع بما يحفظ حقوق المودعين. (الإرتكاز بشكل أساسي في هذا الإطار على خطة الهيئات الإقتصادية).
– معالجة موضوع الدين العام واليوروبوندز.
– التوصل الى إتفاق مع صندوق النقد الدولي.
– إعطاء أولوية قصوى لموضوع رفع لبنان عن اللائحة الرمادية، عبر الإستجابة السريعة للمتطلبات التي حددتها مجموعة العمل المالي – فاتف.
– إعطاء أولوية لتأمين الإستدامة المالية للموازنة العامة وبشكل خاص عدم وقوعها في العجز، وكذلك وبشكل أساسي منع الإستدانة من مصرف لبنان لتمويل الإنفاق الحكومي.
2- العمل على توفير التمويل بشروط ميسرة ولفترة طويلة للمؤسسات الخاصة على إختلافها، لتمكينها من النهوض بعد 5 سنوات من الازمات المتتالية وآخرها تداعيات العدوان الإسرائيلي على لبنان.
3- إصدار المراسيم التنظيمية لقانون الضمان الإجتماعي الجديد، وإيجاد حل جذري لتسويات تعويض نهاية الخدمة.
4- تحديث البنية التشريعية المتعلقة بالشق الإقتصادي، لا سيما القوانين الآتية:
– قانون عصري وحديث للجمارك.
– قانون ضرائبي عادل وحديث.
– تحديث قانون تشجيع الإستثمار.
– قانون إعادة هيكلة المصارف.
– قانون إنشاء مناطق إقتصادية حرة متخصصة بصناعة تكنولوجيا المعلومات.
– قانون لإعادة هيكلة وإصلاح القطاع العام.
– مراجعة نص قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص PPP ودراسة المراسيم التطبيقية التي تلحق به.
5- الدفع لوضع مجموعة من القوانين التي تم تعديلها وإقرارها موضع التنفيذ، ومنها:
– قانون الضمان الإجتماعي.
– قانون المنافسة.
– قانون سلامة الغذاء.
6- مكافحة الإقتصاد غير الشرعي (الذي تجاوز حجمه حجم الإقتصاد الشرعي) والتقليد والتهريب عبر المعابر والحدود وكذلك التهرب الضريبي، خصوصاً أن هذه الممارسات الشاذة تكبل الإقتصاد الوطني وتضرب مبدأ المنافسة وتطيح بمداخيل الدولة.
7- وضع الآليات التنفيذية لتطبيق خطة ماكنزي، بهدف تدعيم وتحفيز القطاعات المنتجة لا سيما القطاعين الصناعي والزراعي، عبر توفير سلة من التحفيزات الضريبية وتوفير التمويل المُيَسَّر وإعطاء المنتجات اللبنانية الأولوية في مشتريات الدولة وتحفيز الصادرات، وإطلاق وتفعيل وكالة تنمية الصادرات اللبنانية، إضافة إلى التحفيزات الأخرى التي كانت موجودة أصلاً مع إمكانية تطويرها.
8- إعادة درس الإتفاقيات التجارية التي وقعها لبنان مع الخارج وإعتماد مبدأ المعاملة بالمثل.
9- التركيز أيضاً على تحفيز القطاعات ذات القيمة المضافة، لا سيما القطاع السياحي بمختلف نشاطاته، القطاع الصحي، القطاع التعليمي، قطاع تكنولوجيا المعلومات، والذي من شأنه ترسيخ هوية ودور لبنان في المنطقة.
ولا بد هنا من التأكيد على أهمية القطاع السياحي وضرورة التعاطي معه بعقلية جديدة، تأخذ بعين الإعتبار القدرات والمقومات السياحية الهائلة التي يتمتع بها لبنان، والإمكانيات الكبيرة المتاحة للإستفادة من هذا القطاع الحيوي بشكل مضاعف.
10- ترسيخ بيئة محفزة ومسهلة للأعمال وجاذبة للإستثمار، من مختلف الجوانب. ولا بد هنا من توفير كل التسهيلات للمستثمرين، إن كان الحصول على المعلومات والمساعدة في إنجاز المعاملات، وتمكينهم من الحصول على التمويل اللازم فضلاً عن توفير سلة تحفيزات ضريبية.
11- وضع مخطط توجيهي للإستثمار في لبنان، يتم من خلاله تحديد الفرص الإستثمارية المجدية في مختلف القطاعات، وكيفية الإستثمار فيها، ووضعه في متناول المستثمرين اللبنانيين المقيمين والمغتربين وكذلك المستثمرين العرب والأجانب.
12 – إستثمار أملاك الدولة بالإستناد إلى الدراسة التي وضعتها الهيئات الإقتصادية حول هذا الموضوع.
13- إعطاء أولوية لمصالح لبنان الإقتصادية في بناء السياسات الخارجية.
14- إعطاء أولوية قصوى لإيجاد معالجات جذرية للبنية التحتية كونها تشكل عاملاً أساسياً وحاسماً في العملية الإقتصادية والإنتاجية بكليتها، والتي تشمل الكهرباء وشبكات الأوتوسترادات والطرق والنقل والمياه والإتصالات والإنترنت وغيرها، وفي هذا الإطار المطلوب الآتي:
– تسهيل عملية الإنتقال بين المناطق اللبنانية عبر تطوير شبكة الطرق والأوتوسترادات التي يجب أن يأخذ أولوية قصوى، كون ذلك من شأنه أن يفتح الباب واسعاً للإستثمار وتشجيع قطاعات أساسية مثل السياحة والصناعة والزراعة وغير ذلك.
فمثلاً ان وجود مثل هذه الشبكة سيشجع اللبنانيين والسياح على ارتياد أي منطقة في لبنان (كل المناطق تتمتع بمزايا سياحية كبيرة)، وهذا بدوره سيشجع النشاط والإستثمار السياحي في مختلف المناطق ما يخلق مداخيل ووظائف جديدة ويساهم في تحقيق الإنماء المتوازن.
ولا بد هنا من التركيز على تطوير الطرق المؤدية الى المناطق السياحية المزدهرة التي هي محل إستقطاب محلي وعربي ودولي.
وكما السياحة كذلك بالنسبة للصناعة، فالأراضي الصناعية في بيروت وجوارها باتت قليلة جداً وهي مرتفعة الثمن، فيما وجود هذه الشبكة من الطرق من شأنه تحفيز الإستثمار الصناعي في المناطق البعيدة، خصوصاً لوجود أراضي رخيصة الثمن (يمكن إنشاء مناطق صناعية) وكذلك يد عاملة بكلفة أقل.
هذا الأمر ينسحب على القطاع العقاري حيث يفتح الباب واسعاً لإنشاء المشاريع السكنية خارج المناطق المكتظة في بيروت وجبل لبنان وحل أزمة السكن.
– العمل على إنجاز الأوتوستراد العربي، ولا بد من إعادة إنشاء شبكة سكك حديد للقطارات لإعادة ربط لبنان بالدول العربية وبأوروبا، وهناك مشاريع جاهزة في هذا الإطار، تضمنها مؤتمر سيدر.
– العمل على رفع التغذية الكهربائية الى 24/24 ساعة، خاصةً أن هناك الكثير من الخيارات أمام لبنان لتحقيق ذلك. فبالإضافة الى تأمين الفيول أويل وتشغيل المعامل الموجودة بكامل طاقتها، بات أمامنا إمكانية إستجرار الغاز المصري لتشغيل معملي دير عمار والزهراني، وبالإمكان الإستفادة من الربط الكهربائي العربي.
في كل الأحوال، لا بد من وقف خسارة مؤسسة كهرباء لبنان، المتأتية بالدرجة الأولى من سوء الإدارة والهدر على الشبكة والسرقة والتعديات، ومن الضروري في هذا الإطار تنفيذ مشروع تركيب عدادات كهرباء “ذكية” يمكن التحكم بها عن بعد في كل المناطق اللبنانية (خصوصاً في المخيمات).
كما لا بد من إجراء تقييم علمي للطاقة المنتجة من الطاقة الشمسية والإمكانات المتاحة في هذا الإطار، والسير سريعاً بإنشاء المعمل الجديد في دير عمار، وكذلك في مشاريع إنتاج الطاقة عبر الرياح.
ولا بد أيضاً، من أن يأخذ موضوع إنتاج الطاقة النظيفة الإهتمام للحد من التلوث والمساهمة مع المجتمع الدولي في مكافحة الاحتباس الحراري.
يبقى أن نقول في هذا الموضوع، إن الكهرباء التي كانت إحدى الأسباب الأساسية في السقوط المالي، يجب أن تأخذ حيزاً هاماً من الإهتمام الحكومي، فهناك مشاريع إصلاحية كثيرة مطروحة على الطاولة، لكن الأهم هو إنشاء الهيئة الناظمة التي من مهامها وصلاحياتها وضع رؤية شاملة لقطاع الطاقة في لبنان لا سيما الكهرباء.
– في موضوع الإتصالات والانترنت، مما لا شك فيه إن هذا الموضوع يلعب دوراً حاسماً في التنافسية الإقتصادية خصوصاً في الإقتصاد الحديث، حيث باتت الإتصالات تشكل العصب الأساسي لمختلف الأعمال.
وعلى هذا الأساس، تكمن أهمية ديمومة تزويد لبنان بالانترنت، ومن هنا لا بد من إيجاد بدائل مجدية عن خطي الإمداد الدوليين للبنان الحاليين (الانترنت)، منها مد خط سيادي عبر البحر المتوسط يربط لبنان بأوروبا بشكل مباشر، وكذلك مد خطوط برية عبر سوريا، فضلاً عن إتاحة التَزَوُّد بالأنترنت عبر الأقمار الإصطناعية.
15- تطوير وتوسعة مطار الرئيس رفيق الحريري الدولي – بيروت، بعدما باتت أعداد المسافرين فيه تتجاوز بكثير القدرة الإستيعابية المحددة أصلاً عند 6 ملايين راكبا سنوياً.
16- الى جانب مطار الرئيس رفيق الحريري الدولي – بيروت، تشغيل المطارات الموجودة في لبنان لخدمة النقل المدني، مثل مطار الرئيس الشهيد رينه معوض- القليعات، ومطار رياق، خصوصاً ان لبنان وبنتيجة التجارب السابقة بحاجة ماسة الى مطار ثانٍ، من أجل، أولاً، إيجاد بديل عن مطار رفيق الحريري الدولي – بيروت في حال توقفه لأسباب قاهرة من أحداث وحروب وكوارث طبيعية، وثانياً من أجل إستقطاب طائرات ذات أسعار مخفضة، وخدمة السفر للمناطق السورية القريبة منهما، فضلاً عن إمكانية إستخدامهما كمركزين للشحن الإقليمي.
17- إعادة إعمار مرفأ بيروت ضمن أهداف إقتصادية بعيدة المدى، بما يضمن دور لبنان المميز على مستوى النقل البحري، وكذلك المساهمة في تنمية أعمال وقطاعات محددة (إنشاء منطقة إقتصادية حرة)، وتفعيل السياحة من خلال إعادة إنشاء وتطوير محطة الركاب في المرفأ.
18-تطوير المرافئ اللبنانية، وتدعيم الإندفاعة المحققة في مرفأ طرابلس لاستكمال عملية تطويره، وإنجاز المنطقة الإقتصادية الحرة.
19-إنطلاقاً من كون لبنان بلداً سياحياً بإمتياز، لا بد من العمل على جعل الشاطئ اللبناني مركزاً لجذب اليخوت والبواخر السياحية التي تجوب المتوسط، وبالتالي إطلاق وتشغيل المرافئ السياحية لا سيما مرفأ جونية ومرفأ أنفه ومرفأ صور. وفي هذا الإطار، لا بد من تسريع إنجاز مرفأ جونيه لموقعه في منطقة تعتبر من أهم المناطق السياحية في لبنان ولقربها من الكثير من المناطق السياحية الأخرى ومن بيروت، وكذلك بالنسبة لمرفأ أنفه ومرفأ صور.
20-العمل على جعل لبنان واحة للمبادرة والإبداع والإبتكار، عبر دعم وتحفيز مؤسسات رائدة في هذا الإطار تُشَجِّع الشباب على الإبتكار والريادة مثل بيريتيك، مؤسسة كفالات ومؤسسة تشجيع الإستثمار.
خامساً – التنمية الإجتماعية المستدامة
في إطار الورشة الشاملة يبقى هناك ضرورة ماسة لإعطاء الشق الإجتماعي أولوية قصوى، لذلك لا بد من وضع تحقيق العدالة الإجتماعية في صلب أولويات السلطتين التنفيذية والتشريعية، وذلك بالتركيز على هذا الموضوع في مختلف القوانين والممارسات الحكومية التي تتعلق به.
وعلى هذا الأساس، يجب التركيز على إتخاذ الإجراءات والخطوات التي من شأنها تحقيق التنمية الإجتماعية المستدامة، عبر:
1- دعم وإتاحة التعليم للجميع، عبر تدعيم المدرسة الرسمية والجامعة اللبنانية، لتمكين كل اللبنانيين من التحصيل العلمي.
2- إتاحة فرص العمل للجميع، عبر التركيز على خفض معدلات البطالة والفقر في لبنان من خلال خلق وظائف جديدة للبنانيين، الذي يتأتى من خلال تحفيز إنشاء أعمال ومشاريع جديدة وتَوَسُّع الشركات القائمة.
3- إعطاء أولوية قصوى لمكافحة آفة المخدرات، إنتاجاً وترويجاً وتعاطياً، لمخاطر هذا الموضوع الكبيرة على المجتمع اللبناني وعلى شبابنا وشاباتنا وعلى أجيالنا الصاعدة.
4- تشجيع الرياضة، وإقامة الأندية الرياضية والجمعيات الأهلية في مختلف المدن والمناطق اللبنانية.
5- توفير معاش تقاعدي للمتقاعدين (تنفيذ قانون المعاش التقاعدي في ما خص المنتسبين للضمان الإجتماعي) بما يضمن حياة لائقة مع تمكينهم من الحصول على الخدمات الصحية.
6- تنفيذ البطاقة الصحية لتمكين كل اللبنانيين من الحصول على الطبابة والاستشفاء.
7- إعطاء أولوية لتمكين المرأة تحقيقاً للعدالة الإجتماعية، عبر ترسيخ ثقافة المساواة التامة بين الرجال والنساء وإتاحة المجال لها لتولي كافة المناصب والمسؤوليات لا سيما في قطاعات الدولة.
8- الإصرار على إتخاذ كل الخطوات التي من شأنها تحقيق الإنماء المتوازن، عبر إنماء المناطق البعيدة من العاصمة بيروت وتشجيع الإستثمار فيها وخلق فرص عمل لابنائها وتحسين معيشتهم وتثبيتهم في أرضهم.
9- تشجيع السياسة الإسكانية عبر تفعيل المؤسسة الوطنية للإسكان ومصرف الإسكان والقروض الإسكانية عبر المصارف الخاصة.
سادساً – إعادة الإعتبار لعلاقات لبنان الخارجية
هناك معضلة أساسية رافقت البلد خلال الفترة الماضية وهي تتمثل بتخريب علاقاته بالمجتمع الدولي والعربي، فيما كان للبنان دوراً رائداً على مستوى العلاقات الخارجية إن كان في المنظمات الدولية وفي جامعة الدول العربية، أو على مستوى علاقاته مع الدول الأجنبية وبشكل خاص مع الدول الشقيقة.
إن إصلاح موضوع علاقات لبنان الخارجية يبقى من المهام الأساسية التي على السلطة الجديدة القيام بها، ليعود كسابق عهده حاضراً بقوة على الساحة العربية والعالمية، كون هذا الموضوع يُعَدّ عاملاً مهماً للدول على مختلف المستويات.
إن قوة لبنان بكثرة أصدقائه وعلاقاته المميزة مع أشقائه، وهذا ما يجب التركيز عليه، خصوصاً في ما خص إعادة العلاقات مع الدول الخليجية الشقيقة الى سابق عهدها للعلاقات الأخوية التاريخية في ما بيننا، وكون هذه الدول كانت على الدوام داعماً قوياً وأساسياً لنا، وهي تشكل العمق الإقتصادي والإجتماعي الإستراتيجي للبنان واللبنانيين.
سابعاً – الإستجابة للمتطلبات البيئية والمناخية
يبقى موضوع الطبيعة والمناخ الذي يجب أن يأخذ حيزاً مهماً من سياسات الحكومة. ولا بد هنا من إستجابة لبنان لكل المتطلبات والالتزامات التي حددها مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتَغَيُّر المناخ، وذلك بهدف الإنخراط في الجهد العالمي لإحتواء التغيرات المناخية، وتحسين ظروف حياة اللبنانيين المتعلقة بالمناخ والتلوث والبيئة.
لا بد من إنشاء صندوق وطني لإحياء الطبيعة في لبنان، من أجل مكافحة التصحر وإعادة تشجير الاحراج والجبال وللحفاظ على تميز لبنان في المنطقة وعلى جماله وبيئته وهويته.
وكذلك هناك حاجة ماسة لمعالجة تلوث البحر والأنهر وفي بعض أماكن المياه الجوفية، والعمل سريعاً على تطوير شبكة متكاملة للصرف الصحي وتعميم مراكز تكرير المياه الصحية.
وفي هذا الإطار، وبالإضافة الى مهامها الإنسانية الأساسية، لا بد من وضع خطة لتطوير وتدعيم الدفاع المدني وأفواج الإطفاء، كونهما يشكلان ركيزة أساسية في مواجهة توسع الحرائق والحفاظ على البيئة وحياة الناس في مواجهة التَغَيُّر المناخي.
ملحق أساسي
- من أبرز الأسباب التي أدت الى تدهور أوضاع الدولة هو عدم تطبيق القوانين والأنظمة المعمول بها. لذلك فإن تطبيق ما هو موجود وبشكل سريع من شأنه ضمان حصول تغيير إيجابي كبير في حال الدولة اللبنانية وعلى مختلف المستويات.
لذا المطلوب سريعاً وبالتوازي مع العملية الإصلاحية والتطويرية الإنكباب على تطبيق ما هو موجود.
- الإستجابة سريعاً لمختلف متطلبات إعادة إطلاق عمل القطاع المصرفي، كونه يشكل القلب النابض للاقتصاد، والمحرك الاساسي للإستثمار والأعمال. كما أن أي عملية لإعادة إطلاق الإقتصاد محكومة بالفشل من دون تمكين القطاع المصرفي من القيام بدوره الاساسي في تمويل الإستثمار والأعمال على إختلافها.
- السعي لعقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار ما دمره وخربه العدوان الإسرائيلي، بشراكة مع الدول العربية وخصوصاً الخليجية الشقيقة والدول الأجنبية الصديقة والمؤسسات والمنظمات الدولية ذات الصلة، على أن يكون هذا الموضوع في مقدمة المهام التي على الحكومة العتيدة القيام بها وبشكل سريع، كما يجب أن تتمتع إدارة هذه العملية بشفافية تامة، حتى لو تطلب ذلك إدارتها من قبل البنك الدولي.
- السعي لإعادة إحياء مؤتمر سيدر لا سيما لجهة الحصول على التعهدات المالية لإعادة بناء وتطوير البنية التحتية في لبنان.
- إتخاذ كل التدابير الكفيلة بتطبيق اللامركزية الإدارية بشكل سريع، كون هذا الموضوع يشكل ركيزة أساسية لعدة أمور اساسية، منها: الإنماء المتوازن، تشجيع الاستثمار، تحقيق العدالة الإجتماعية، خلق منافسة إيجابية بين المدن والقرى والبلدات للتطور والازدهار، ورفع نسبة الجباية على إختلافها الى الحدود العليا، وغير ذلك الكثير.
وأيضاً تسمح اللامركزية للإدارة المحلية بوضع خطط وبرامج تنموية تتماشى مع الإمكانات المتاحة والمزايا التفاضلية لكل منطقة.
- إيلاء الاغتراب اللبناني إهتماماً خاصاً إنطلاقاً من الإلتزام بالشراكة الوطنية، وللكثير من العوامل الإيجابية الكبيرة والمؤثرة، خصوصاً إن الاغتراب في دول الانتشار في الخليج وافريقيا وبعض الدول الأخرى القريبة، شكل عاملاً أساسياً من خلال التحويلات المالية في منع إسقاط لبنان مالياً وإقتصادياً وإجتماعياً.
إن ما يمتلكه الإغتراب اللبناني من قدرات مالية كبيرة وخبرات ونجاحات هائلة، يمكن توظيفها في عملية إعادة النهوض بلبنان، وذلك من خلال تحفيزهم على الإستثمار في بلدهم من ضمن منطق وقواعد صحيحة تتيح لهم الربحية العادلة.
- ترسيم الحدود البحرية والبرية، وهذا موضوع سيادي لا بد من إنجازه سريعاً، بالتعاون مع الدولة السورية (على الحدود السورية البحرية والبرية)، وبالتعاون مع الأمم المتحدة والوسطاء الدوليين بالنسبة للحدود البرية مع فلسطين المحتلة.
- إعادة تفعيل موضوع إستثمار النفط والغاز عبر إطلاق مزايدة عالمية جديدة لتلزيم البلوكات في المياه الإقليمية اللبنانية.
- التعاون مع السلطات الجديدة في سوريا لإعادة النازحين السوريين الى بلدهم بعدما إستتب الوضع وإعلان السلطات الجديدة تأمين عودة آمنة وكريمة لهم.
- إعادة بناء مصفاتي طرابلس والزهراني، وإعادة ترميم خطوط النفط التي تربط العراق والسعودية بلبنان.
- لا بد من الإشارة أيضاً الى أنه يوجد لدى لبنان الكثير من الخطط المشاريع والبرامج الجاهزة في مختلف الميادين، التي تم أعدادها مع شركاء دوليين، لذلك فنحن لا ينقصنا سوى إرادة للتنفيذ.
وفي هذا الإطار، لا بد من إجراء مراجعة شاملة لهذه الخطط والمشاريع والبرامج للتعاطي معها بواقعية
كل على حدة، إما أن تكون صالحة، أو تتطلب التعديل، أو تكون غير صالحة.
- إنشاء مجلس وطني للسياسات الإقتصادية، يكون من مهامه وضع مخطط توجيهي وسياسات واضحة لمختلف القطاعات الإقتصادية.
إن الوصول الى النتائج والأهداف المرجوة من هذه الورقة تتطلب تنفيذ كل مندرجاتها بكليتها، فهي مترابطة ببعضها بشكل عضوي وثيق، ولا يمكن القيام بتنفيذ مجتزأ لبنودها لأن النتائج ستكون حكماً غير مرضية.
إن تحقيق التنمية الإقتصادية والإجتماعية الشاملة والمستدامة يتطلب إتباع القاعدة الذهبية: