أخبار لبنانابرز الاخبارسياسة

الدفاع عن لبنان ليس حصرًا عسكريًا: أربعة عناصر (نداء الوطن ٢ تموز)

يعود البحث في الدفاع عن لبنان من منطلق عسكري حصرًا، كما عممته ولا تزال تعمّمه تيارات أيديولوجية ومثقفون بدون خبرة وكتابات عديدة، إلى جذور ثقافية لبنانية وجهل لطبيعة لبنان وللاختبار التاريخي اللبناني الذاتي. لم يتم تثمير الاختبار في سبيل بناء ذاكرة جماعية مشتركة وتوبة قومية رادعة ومناعة وطنية!

انطلاقًا من الاختبار وكوارث لبنان منذ اتفاقية القاهرة سنة 1969 التي ألغاها المجلس النيابي في 21/5/1987، ثم اتفاقية القاهرة المتجددة في 6/2/2006، ما هي مضامين استراتيجية دفاعية لبنانيًا؟ الدفاع عن لبنان في أربعة مسارات متلازمة:

1. التماسك الداخلي: كل الذين، دفاعًا عن قضية محقّة أو قضايا متعددة، أو غالبًا بهدف الاستقواء بالخارج داخليًا، ومع سجالات اجترارية ومرفقة بمزايدات لا أساس لها حول عداء اللبنانيين لإسرائيل والصهيونية، هؤلاء فتحوا لبنان الساحة ثم الساحات والحرب الأهلية الإقليمية والاحتلال العدائي والاحتلال الأخوي، ووفروا غطاء للاحتلال… ثم لمقاومة الاحتلال! ينقل جورج نقاش عن شارل مالك التحذير التالي: “المهم هو أن يُمسك لبنان في الداخل. نحن قمنا هنا (الأمم المتحدة) بما علينا القيام به. على المولجين بالبيت (لبنان) أن يمسكوا جيّدًا. أنا لا أخاف من الفوضى في الإدارة. ولا يُقلقني ضعف الدولة. إنما يخيفني ويقلقني ضعف الفكر اللبناني عند بعض اللبنانيين، والتراجع الأخلاقي عند فئة من النخبة وفقدان الثقة بدورنا ومصيرنا” (L’Orient, 17/10/1948).

2. الدولة ووحدانيتها: كل الميليشيات في لبنان وحتى القوى المسلّحة الفلسطينية، طوال سنوات الحروب المتعددة الجنسيات في لبنان في 1975-1990 حافظت على مركزية ووحدانية الدولة من منطلق عقلاني وبرغماتي، ومع التقيّد بالأصول الدستورية في التضامن الوزاري وعدم إطلاق شعارات في ثلث وتعطيل وأحجام…! منذ اتفاقية القاهرة المتجددة في 6/2/2006 تم إنشاء دولة رديفة وجيش رديف ومأسسة تعطيل المؤسسات، ما جعل الدولة الرديفة بالذات مكشوفة وبدون حماية، وتلجأ في النهاية إلى مبنى المجلس النيابي لحماية ذاتها! إنه سلوك يفتقر بإطلاقية إلى العقلانية!

3. الشرعية الداخلية والدولية: لا يميّز قانونيون، ولا نقول حقوقيين، بين القانونية légalité والشرعية légitimité. تنبع الشرعية داخليًا من قبول الناس بالسلطة وليس إذعانهم. وتنبع الشرعية الدولية من الإقرار الإقليمي والدولي بالدولة الوطنية ومن القرارات الدولية. يوجد اليوم في العالم أكثر من 36 دولة مساحتها الجغرافية أقل من لبنان، وهي تعيش حالات استقرار وسلام. ليست هذه الدول الصغيرة في جوار عدائي، أو في جوار عربي قيد التحوّل الديمقراطي. لكن ما يمنع مغامرين ومقامرين وبرابرة من احتلالها أو زعزعة استقرارها هو شرعيتها الداخلية، وأيضًا الدولية الراسخة في أذهان هذه الدول وشعوبها العقلانية.

من أسخف الكتب التي صدرت هو كتاب لأحد اللبنانيين: فلسفة القوة (بيروت، 2020). يوجد فلسفة القانون، والدين، والأدب… لكن لا يوجد فلسفة القوة! القوة وسيلة وليست هدفًا. أي قوة ستواجهها قوة أكثر بطشًا وتدميرًا! أي بطل عالمي في الملاكمة سينهار بفعل جرثومة أقوى منه! إن تجربة اللبنانيين خلال 2024 هي الدليل على حدود القوة المجردة. حقق نابوليون انتصارات عسكرية في كل أوروبا وانهارت كل الانتصارات. إنجازه الأبرز هو قانون الموجبات والعقود! كان يقال عن أرييل شارون: “إنه يؤمن بالقوة ولكنه لا يعرف حدودها”.

4. الجيش: لا نذكر الجيش في المرتبة الأخيرة لأنه يندرج في هذه المرتبة، إلا إذا كان جيش نظام على نمط جيوش أنظمة قمعية أو حرس جمهوري. نذكر الجيش في المرحلة الختامية لأن الجيش الوطني، والشرعي مجتمعيًا، هو التتويج لكيان وبنية دستورية وشرعية شعبية. وجّهت اتهامات عديدة تجاه الجيش اللبناني في أوقات الأزمات والاحتلالات العدائية والأخوية أو بالوكالة، بخاصة خلال أحداث 1958. كان موقف الرئيس فؤاد شهاب والجيش اللبناني التالي: نحن ندافع عن الوطن والسيادة والدستور وليس قمع قسم من شعب لبناني مرتهن إلى قوة خارجية ويمارس الدعارة الدبلوماسية، ولبنانيين يمارسون التموضع والتذاكي والتكاذب والشطارة و”المعليشية”، ويعانون من عقدة الباب العالي لأسباب تعود إلى علم النفس التاريخي والعيادي.

حان الوقت ليمارس اللبنانيون نقدًا ذاتيًا شاملًا. خلافًا للأغنية السائدة: لبنان راجع راجع يتدمر! لا يتوفر حاليًا في لبنان رؤية تغيير مؤسساتية وثقافية في آن. لنتوقف عن التغني لبنانيًا بالثقافة مع حصر الثقافة في الفن والأدب والفنون والإبداع…! الثقافة هي أيضًا قيم وسلوكيات وممارسات. “سقف” و”مثاقفة” و”ثقافة” تعني باللغة العربية تقويم الرمح وتقويم “اعوجاج”!

يقول القديس Nicolas de Flüe (1487-1417) للسويسريين: “إذا كنتم تريدون أن تبقوا سويسريين شيّدوا سياجًا حول حديقتكم”. ويذكر هذا القول لـ Metternich عام 1833 بشأن وصاية روسيا على الأمبراطورية العثمانية المهددة من إبراهيم باشا: “تحافظ الدول على استقلالها بقدر ما تتجنّب العلاقات الوثيقة مع قوى أكبر منها، وبقدر بحثها عن قوتها الحقيقية في ذاتها وتعلّق شعوبها وحكمة إدارتها وتنمية موارد أراضيها”.

ولنستشهد بالإمام موسى الصدر بالذات الذي يقول في كلمة في القاهرة سنة 1978: “السلام في لبنان هو أفضل وجوه الحرب مع إسرائيل” (مسيرة الإمام الصدر، بيروت، دار بلال، 12 جزءًا، جزء 7، 1976،ص 98).

بواسطة
د. أنطوان مسرّه
المصدر
نداء الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى