خاص – 800 مليون دولار رصيد الدولة في مصرف لبنان: تحسّن ظرفي أم بداية لتصحيح مالي فعلي؟

يمثل ارتفاع رصيد الدولة اللبنانية لدى مصرف لبنان إلى نحو 800 مليون دولار تطوراً مالياً لافتاً في ظل الأزمة الممتدة منذ عام 2019، لكنه وفق الخبير الإقتصادي الدكتور بلال علامة يبقى في جوهره مؤشراً ظرفياً، لا يعكس بعد تحوّلاً بنيوياً في المالية العامة أو في أداء الدولة الاقتصادي.
وعن الأسباب التي أدت إلى هذا الإرتفاع، قال علامة في حديث لموقعنا Leb Economy “هذا التراكم نتج بالدرجة الأولى عن انضباط جزئي في الإنفاق العام بعدما تراجعت قدرة الدولة على الصرف بالعملات الأجنبية واضطرت وزارة المالية إلى اعتماد سياسة تقشف قسرية اقتصرت على النفقات الأساسية بالليرة اللبنانية. كما ساهم تحسّن الجباية بالدولار النقدي من الرسوم الجمركية والضرائب على الاستيراد وبدء مؤسسات عامة كالكهرباء والاتصالات والمطار بتحصيل إيراداتها بالعملة الصعبة في رفد الخزينة بسيولة إضافية يضاف إلى ذلك تراجع كلفة الدعم والتحويلات بعد رفع الدعم عن المحروقات والقمح والدواء ما خفّف الضغط عن الاحتياطات الدولارية، فضلاً عن تعديلات مصرف لبنان في سياسته النقدية بعد وقف منصة “صيرفة” وتوحيد أسعار الصرف ما قلّص الخسائر التشغيلية بين المصرف المركزي والخزينة.

ورداً على سؤال حول تداعيات هذا التراكم في الإحتياطي، رأى علامة أن “هذا التطور يحمل دلالات نقدية وسياسية مهمة: “فهو يعكس نوعاً من الاستقرار النقدي النسبي داخل النظام المالي ويساعد في تهدئة سوق الصرف، كما يبعث إشارة سياسية إلى الداخل والخارج بأن الدولة لم تعد في حال انهيار تام وأن ثمة بداية لإعادة تنظيم العلاقة بين المالية العامة والمصرف المركزي، ما قد يُحسّن موقع لبنان التفاوضي أمام صندوق النقد والجهات المانحة”.
لكن على الرغم من هذه الإيجابيات، يعتبر علامة أن الواقع المالي يبقى هشّاً “فالرصيد المعلن وإن بدا كبيراً في الظاهر يبقى محدوداً جداً بمقاييس الدولة إذ لا يكفي لتغطية سوى أسابيع معدودة من حاجات الاستيراد أو من نفقات مؤسسات الخدمات العامة”، متخوفاً من أن غياب رؤية واضحة للإنفاق يهدد بتبديد هذه الأموال سريعاً في حال لم تُدار ضمن إطار إصلاحي شامل يحدد الأولويات ويمنع الهدر. ولا يستبعَد علامة أيضاً أن يكون جزء من هذا المبلغ ناتجاً عن تحويلات مؤقتة أو حسابات مجمّعة لمؤسسات عامة وليس فائضاً صافياً من الإيرادات”.
وخلص علامة إلى القول: بأن تراكم رصيد الدولة إلى حدود 800 مليون دولار يشكل إشارة إيجابية محدودة إلى انضباط مالي وارتفاع في الجباية بالدولار، لكنه لا يعني بعد تعافياً اقتصادياً أو استدامة مالية. ولفت الى أن التحسّن الحاصل هو في الأرقام والمؤشرات الآنية، لا في الأسس الاقتصادية والهيكلية التي ما زالت تعاني من ضعف في الإنتاج و غياب للموازنة الفعلية وتأخر الإصلاحات في الكهرباء والإدارة والمصارف. واكد أن الاختبار الحقيقي أمام الحكومة ومصرف لبنان هو تحويل هذا الفائض الظرفي إلى مسار مستدام يعيد بناء الثقة بالمالية العامة ويؤسس لمرحلة تعافٍ حقيقي للاقتصاد اللبناني.



