الإمارات والسعودية تتقدمان في سباق الأسواق الناشئة العالمية

في ظل التغيرات الاقتصادية المتسارعة والتحولات الجيوسياسية التي يشهدها العالم، تبرز الأسواق الناشئة في عام 2025 كأحد أبرز المحركات الديناميكية للنمو والاستثمار، مدفوعةً بتوسعها السكاني، وتحسن بيئة الأعمال، وتسارع التحولات التكنولوجية والهيكلية. ووفقًا لاستطلاع أجرته شركة “Kearney” وشمل آراء 536 من التنفيذيين الكبار في كبريات الشركات العالمية، جاءت الصين في المرتبة الأولى كأفضل سوق ناشئ على مستوى العالم، تليها الإمارات والسعودية، في مشهد يعكس التحولات الجذرية في مراكز الثقل الاقتصادي العالمي.
الصين، رغم كونها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، لا تزال تُصنّف ضمن الأسواق الناشئة، وهو تصنيف قد يبدو متناقضًا لأول وهلة. غير أن هذا التصنيف يرتبط ليس بحجم الناتج المحلي الإجمالي فحسب، بل بمجموعة من المعايير تشمل درجة انفتاح السوق، وحرية حركة رؤوس الأموال، والشفافية المؤسسية. فرغم تفوقها الصناعي والتكنولوجي، لا تزال الصين تحتفظ بنظام مالي تُهيمن عليه الدولة، إضافةً إلى ضوابط مشددة على الاستثمارات الأجنبية وسعر صرف العملة، مما يجعلها أقرب إلى الأسواق الانتقالية من النموذج الليبرالي الكامل للأسواق المتقدمة.
في هذا الإطار، يشير الباحث الاقتصادي الدكتور محمد موسى في حديث الى “النهار” الى أنّ “الصين لا يزال تصنيفها بالآليات المعتمدة في التصنيف العالمي، من ضمن الأسواق الناشئة (ُتعد مؤسسة MSCI من أبرز الجهات التي تُصنف الأسواق العالمية) لأسباب عدّة، من ضمنها معايير الحوكمة وسيادة القانون التي لا تزال دون المعايير العالمية، كما هناك تفاوت كبير في التنمية بين المناطق المختلفة داخل الدولة، إذ يُظهر بعض المناطق تقدماً لافتاً في البنية التحتية والتطور الصناعي، في حين تعاني مناطق أخرى من ضعف الخدمات والتنمية، وهو ما يخلق حالة من عدم التوازن التنموي.
لكن في التطبيق الواقعي، بعيدًا من المعايير النظرية، يقول موسى، من الضروري أن تأخذ هذه التصنيفات في الاعتبار حجم السكان ومستوى التطور المحقق خلال العقود الماضية. فالصين، رغم تصنيفها كسوق ناشئة، حققت في السنوات الأخيرة تطورًا اقتصاديًا وهيكليًا يضعها ضمن فئة الدول الكبرى، بل يؤهلها للعب دور منافس مباشر للولايات المتحدة. والدليل على ذلك هو الحرب الاقتصادية الشرسة التي تخوضها الصين منذ أكثر من عقد مع واشنطن، والتي تعكس عمق القلق الأميركي من تنامي نفوذها. كما أن مقارنة القوة الشرائية بين الدولار واليوان تُظهر أن العملة الصينية تزداد قوة، وهو ما يعزز موقع الاقتصاد الصيني عالميًا.
وفي ضوء التوقعات، يُرجَّح أن يتصدر الاقتصاد الصيني قائمة أكبر اقتصادات العالم خلال أقل من عقد، يقول موسى، فمن غير المنطقي، وفقًا للواقع الاقتصادي والتحليل العقلاني، أن يستمر تصنيف الصين كدولة “ناشئة”، وهي التي تسيطر على كميات ضخمة من الموارد الأولية والمعادن النادرة، وتتمتع بنفوذ عالمي متنامٍ على مختلف الصعد.
أما الإمارات، فقد حققت قفزة نوعية باحتلالها المركز الثاني عالميًا، بفضل سياساتها الاقتصادية الطموحة والمستقرة، وتنفيذها الفعّال لاستراتيجيات التنويع بعيدًا من النفط، وتعزيز الاقتصاد الرقمي والابتكار. وقد تحوّلت إلى منصة إقليمية وعالمية للأعمال، مع بيئة تشريعية مرنة، وبنية تحتية عالمية، وقطاعات واعدة مثل الطاقة النظيفة، والتكنولوجيا المالية، والفضاء. هذا التقدم في رأيه، يعكس ثمار رؤية طويلة الأمد تبنتها القيادة الإماراتية لتحويل الدولة إلى مركز اقتصادي عالمي
في المركز الثالث، تواصل السعودية ترسيخ مكانتها كمحور اقتصادي ناشئ صاعد، مدعومة برؤية 2030 التي أعادت تشكيل الاقتصاد الوطني من خلال مشروعات ضخمة، مثل نيوم، واستثمارات متسارعة في قطاعات غير نفطية كالسياحة، والتكنولوجيا، والصناعة الخضراء. كما أن الإصلاحات الاجتماعية والتنظيمية، إلى جانب الانفتاح الاستثماري، جعلت من المملكة بيئة أكثر جذبًا للمستثمرين الأجانب، وخصوصاً في ظل الاستقرار المالي وتحسن التصنيف الائتماني.
وبالنظر إلى بقية القائمة، نرى حضورًا قويًا للهند والبرازيل والمكسيك، وهي دول تستفيد من أسواقها الاستهلاكية الضخمة، والموارد الطبيعية، والتقدم في مجالات التكنولوجيا والبنية التحتية. كما أن بولندا والأرجنتين وجنوب إفريقيا، رغم التحديات الداخلية، تظل تمثل نقاط جذب استراتيجية في مناطقها الجغرافية.
ما يميز هذه الأسواق الناشئة في 2025 هو مزيج من الديناميات المحلية والتحولات العالمية. فمن جهة، تشهد هذه الدول نموًا سريعًا للطبقة الوسطى، وتوسعًا في فرص الاستهلاك المحلي، وهو ما يشجع الشركات العالمية على الدخول إليها. ومن جهة أخرى، فإن التحولات في سلاسل التوريد العالمية، والاتجاه نحو تنويع الشركاء بعيدًا من الاقتصادات التقليدية، تمنح هذه الأسواق فرصًا ذهبية لتكون بدائل إستراتيجية في النظام الاقتصادي العالمي.
كذلك، تلعب الرقمنة والتحول نحو الطاقة المتجددة دورًا محوريًا في تعزيز تنافسية هذه الدول. فالإمارات والسعودية، على سبيل المثال، تقودان في الشرق الأوسط ثورة استثمارية في الطاقة النظيفة، مع خطط للوصول إلى الحياد الكربوني خلال العقود المقبلة، وهو ما يتماشى مع التوجهات العالمية نحو التنمية المستدامة.
لكن رغم هذا الزخم الإيجابي، تبقى التحديات حاضرة. فالأسواق الناشئة غالبًا ما تكون أكثر عرضة للتقلبات المالية العالمية، وارتفاع معدلات الفائدة في الاقتصادات المتقدمة، والضغوط الجيوسياسية، بحسب الباحث الاقتصادي. كما أن بعض هذه الدول يعاني من ضعف في مؤسسات الحوكمة، أو تذبذب في السياسات الاقتصادية، مما قد يهدد استقرار البيئة الاستثمارية.
مع ذلك، فإن التوجه العام يُشير إلى أن المستثمرين العالميين باتوا أكثر استعدادًا لتحمّل المخاطر في مقابل فرص العوائد المرتفعة التي تقدمها هذه الأسواق. والتجربة أثبتت أن الدول التي تنجح في تطبيق إصلاحات اقتصادية وهيكلية حقيقية، وتوفر بيئة قانونية واستثمارية مستقرة، هي من تجني الثمار الأكبر.
في المحصلة، تُظهر بيانات عام 2025 أن موازين الاقتصاد العالمي تواصل تحوّلها نحو الجنوب والشرق، حيث تتبلور قوى جديدة على الساحة الدولية. وإذا ما استمرت هذه الأسواق في تنفيذ استراتيجيات النمو والتحول البنيوي، فإنها مرشحة ليس للنمو فحسب، بل للعب أدوار رئيسية في رسم ملامح النظام الاقتصادي العالمي في العقود المقبلة.