ما هي المعادن النادرة؟ ولماذا تقع في قلب الحرب التجارية؟

تشكل المعادن النادرة اليوم عنصراً أساسياً في أهم الصناعات، حيث أصبحت حجر الزاوية في إنتاج التقنيات المتقدمة التي يعتمد عليها العالم بشكل متزايد، من الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية إلى أنظمة الطاقة المتجددة والصناعات الدفاعية.
نظراً للأهمية الاستراتيجية لهذه العناصر الأرضية النادرة في الصناعات، فقد امتد تأثيرها لتصبح محوراً رئيسياً في التنافس الجيوسياسي والاقتصادي بين القوى الكبرى؛ إذ تصدرت المشهد أخيراً في سياق الحرب التجارية التي تجددت بين أميركا والصين. في ظل هذا الواقع، باتت المعادن النادرة تمثل نقطة تقاطع بين التكنولوجيا والاقتصاد والسياسة، وأصبحت محور نقاش عالمي حول الأمن الصناعي والاستدامة والتنافس على النفوذ في الأسواق العالمية.
1) ما هي المعادن النادرة؟ وهل هي “نادرة” فعلاً؟
المعادن النادرة أو “عناصر الأرض النادرة” هي مجموعة من 17 عنصراً كيميائياً، من بينها الإيتريوم، السكانديوم، اللانثانوم، النيوديميوم، الديسبروسيوم، وغيرها. تتميز هذه العناصر بخصائص فيزيائية وكيميائية تجعلها ضرورية في صناعات التكنولوجيا المتقدمة، مثل الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية وتوربينات الرياح والشاشات والبطاريات، والصناعات العسكرية مثل الطائرات المقاتلة (F-35)، والرقائق الإلكترونية. تكمن مشكلة هذه العناصر في صعوبة استخراجها بتركيزات اقتصادية، وفي تعقيد عمليات فصلها وتكريرها.
ورغم ما توحي به تسميتها، فإن المعادن النادرة ليست نادرة فعلياً من حيث وفرتها في القشرة الأرضية؛ بل إن عناصر مثل السيريوم واللانثانوم تُعد أكثر وفرة من معادن شائعة كالنحاس والرصاص. لكن التحدي لا يكمن في العثور عليها، بل في استخراجها ومعالجتها.
لكن يرجع وصف هذه العناصر بـ”النادرة” إلى ندرتها في التواجد بتراكيز اقتصادية تسمح باستخراجها تجارياً، إلى جانب صعوبة فصلها عن بعضها البعض نظراً لوجودها ضمن معادن معقدة التركيب. كما أن عدد الدول القادرة على تكريرها ومعالجتها محدود للغاية.
2) ما أهم القطاعات الصناعية التي تعتمد عليها؟
تُستخدم المعادن النادرة بشكل أساسي في صناعة المغناطيسات القوية التي تدخل في إنتاج الأجهزة الإلكترونية المتطورة، مثل الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، إضافة إلى استخدامها في محركات السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح. كما تُعد هذه المعادن عنصراً أساسياً في صناعة المعدات الطبية، لا سيما أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي وغيرها من التقنيات الطبية الحديثة.
تلعب المعادن النادرة أيضاً دوراً محورياً في الصناعات الدفاعية، إذ تدخل في إنتاج محركات الطائرات المقاتلة وأنظمة التوجيه الصاروخي. إلى جانب ذلك، تُستخدم هذه المعادن في صناعة الشاشات المسطحة وأجهزة التلفزيون الحديثة، ما يجعلها مكوناً لا غنى عنه في قطاع الإلكترونيات الاستهلاكية المتقدمة التي تحتاجها كل دول العالم تقريباً مما يضفي عليها أهمية واسعة.
كما تتزايد أهمية المعادن النادرة في ظل التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة، إذ تُستخدم في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية، والأنظمة الكهروضوئية للطاقة الشمسية، والمكونات الأساسية لتوربينات الرياح. هذا الاعتماد المتزايد يجعلها عنصراً استراتيجياً في جهود الدول لتحقيق أهدافها في خفض الانبعاثات الكربونية والتحول إلى اقتصاد منخفض الكربون.
كذلك تدخل هذه المعادن في صناعات متقدمة أخرى مثل تكنولوجيا الفضاء، والروبوتات، والرقائق الدقيقة المستخدمة في الذكاء الاصطناعي والحوسبة عالية الأداء. ومع تصاعد المنافسة العالمية على التفوق التكنولوجي، أصبحت المعادن النادرة بمثابة شريان رئيسي يغذي الابتكار الصناعي والتقني في القرن الحادي والعشرين.
ووفق تقرير صادر عن مجموعة “بوسطن كونسلتينغ جروب” (BCG) فأن قطاع المعادن النادرة يحتاج إلى استثمارات ضخمة تبلغ 100 مليار دولار بحلول عام 2035، لتلبية الطلب المتزايد، خاصة على العناصر المستخدمة في صناعة المغناطيسات الدائمة مثل النيوديميوم والتربيوم والديسبروسيوم، والتي ترتبط بشكل وثيق بثورة السيارات الكهربائية وتوليد الطاقة النظيفة.
3) لماذا تقع المعادن النادرة في قلب الحرب التجارية؟
دخلت هذه المعادن في قلب الصراع بين واشنطن وبكين، لأن الصين تسيطر على حوالي 70% من الإنتاج العالمي، وتحتكر أكثر من 80% من عمليات التكرير والمعالجة، ما يمنحها قدرة هائلة على التأثير في سلاسل التوريد العالمية واستخدامها كورقة ضغط جيوسياسية. في المقابل، تفتقر الولايات المتحدة تقريباً إلى أي قدرة معالجة للمعادن المستهدفة، وفقاً لبيانات صادرة عن شركة الاستشارات “بروجكت بلو” (Project Blue).
وخلال الاتفاق التجاري الأخير بين البلدين، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن إبرام صفقة مع الصين لتسريع شحن المعادن النادرة إلى أميركا. وفي الوقت ذاته، تبحث واشنطن عن بدائل لاستيراد هذه الموارد المعدنية النادرة لتأمين مخزوناتها منها.
وبحسب تصريحات مسعد بولس مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترمب للشؤون الأفريقية لـ”الشرق”، تتفاوض الولايات المتحدة مع الكونغو الديمقراطية التي تعتبر غنية بالكوبالت والليثيوم واليورانيوم وغيرها، لتوقيع اتفاقية “ضخمة” بشأن المعادن النادرة.
ولم تكن أميركا وحدها حريصة على امتلاك هذه المعادن، فقد دخل الاتحاد الأوروبي على خط المنافسة على الطلب لهذه الموارد المهمة. تشير تقديرات المفوضية الأوروبية إلى أن احتياجات الاتحاد من معادن مثل الليثيوم ستتضاعف 12 مرة بحلول 2030، بينما سيزيد الطلب على معادن الأرض النادرة المستخدمة في السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح من خمسة إلى ستة أضعاف خلال الفترة نفسها.
وتعد الصين المصدر الرئيسي لمعظم واردات الاتحاد من العناصر الأرضية النادرة الثقيلة مثل اليوروبيوم والتيربيوم والإيتريوم، إذ توفر 100% من هذه الاحتياجات. كما تستورد دول الاتحاد معادن أخرى من جنوب أفريقيا (البلاتين)، وتركيا (البورون). ورغم وجود بعض الاحتياطيات غير المستغلة في أوروبا، مثل الليثيوم في البرتغال والنحاس والمنغنيز في إسبانيا، فإن الإنتاج المحلي لا يغطي سوى جزء ضئيل من الطلب، ويواجه تحديات بيئية واجتماعية تعيق تطويره.
4) هل هناك بدائل غير الصين للحصول على هذه المعادن؟
هناك عدة دول تمتلك احتياطيات استراتيجية من المعادن النادرة بعد الصين، المالكة لأكبر احتياطيات عالمياً بنحو 44 مليون طن. وتبرز البرازيل كإحدى أهم الدول في هذا الصدد، إذ تأتي في المرتبة الثانية باحتياطي يبلغ 21 مليون طن، وتليها الهند التي تمتلك حوالي 6.9 مليون طن من المعادن النادرة.
أما أستراليا، فتحتل موقعاً متقدماً باحتياطي يصل إلى 5.7 مليون طن، في حين تحتفظ روسيا بنحو 3.8 مليون طن من هذه المعادن. وتبرز فيتنام أيضاً ضمن قائمة الدول ذات الاحتياطيات الكبيرة، حيث تملك نحو 3.5 مليون طن، بينما تمتلك الولايات المتحدة 1.9 مليون طن. وتأتي غرينلاند في نهاية القائمة باحتياطي يقدر بـ1.5 مليون طن.
5) كيف تؤثر المنافسة بين الدول على سوق المعادن النادرة؟
منذ أبريل 2025، أشعلت الصين موجة جديدة من التقلبات في سوق المعادن النادرة بعدما فرضت قيوداً صارمة على تصدير المعادن الثقيلة والمغناطيسات الأساسية مثل الديسبروسيوم والتيربيوم، في خطوة فسّرها مراقبون على أنها ورقة ضغط جيوسياسية ضد الغرب.
هذا القرار دفع الأسعار في الأسواق الأوروبية إلى مستويات قياسية، حيث قفز التيربيوم من نحو 965 دولاراً للكيلوغرام إلى 3000 دولار، بينما ارتفع الديسبروسيوم من 850 إلى 2550 دولاراً للكيلوغرام.
لكن المفارقة أن الأسعار لم تتحرك بالوتيرة نفسها داخل الصين، إذ تراجعت أسعار بعض المعادن مثل النيوديميوم والبراسيوديميوم بفعل ضعف الطلب المحلي، مما كشف عن فجوة واضحة بين السوق الصينية والأسواق العالمية.
هذه التباينات أعادت إلى الأذهان أزمات سابقة مثل النزاع بين بكين وطوكيو عام 2010، حين ارتفع سعر أكسيد الديسبروسيوم 26 ضعفاً خلال فترة وجيزة.
وفي مواجهة هذه القيود، سارعت الأسواق الغربية إلى تنويع مصادرها، ما أدى إلى انتعاش قوي في أسهم شركات مثل
“نيو بيرفورمانس” (Neo Performance) و”إم بي ماتيريالز” (MP Materials) في الولايات المتحدة وأوروبا.
كما أن المشترين خارج الصين باتوا يدفعون أقساطاً إضافية تصل إلى 15–30 دولاراً للكيلوغرام للحصول على إمدادات مستقرة من بدائل غير صينية، وفق ما ذكرته وكالة “رويترز”.
هذا الاتجاه يعكس تحوّلاً استراتيجياً في سلاسل التوريد العالمية، حيث لم تعد المعادن النادرة مجرد مواد خام، بل أوراق قوة تتحكم بها الدول في صراع النفوذ العالمي.