هل يتفوق الذكاء الاصطناعي على الطبيب في القطاع الصحي؟
يؤثر الذكاء الاصطناعي إيجابياً في مجال الرعاية الصحية. وفي أحيان كثيرة، تفوق الذكاء الاصطناعي التوليدي Generative AI على البشر في دقة التشخيص، إضافة إلى إيجابيات اخرى. لكن حتى اللحظة، يبقى دوره محدوداً بالمقارنة مع الطبيب الذي يستمر في استخدام ذكاء الآلالت كأداة علمية مساندة لعمله بما يضمن تقديم رعاية أفضل للمريض.
في السنوات الأخيرة، شهدنا تطوراً كبيراً في مجال الذكاء الاصطناعيي الذي بات يؤدي أدواراً كبرى ومتفاوتة في مختلف القطاعات، ومنها الطب. ويؤثر الذكاء الاصطناعي إيجابياً في مجال الرعاية الصحية. وفي أحيان كثيرة، تفوق الذكاء الاصطناعي التوليدي Generative AI على البشر في دقة التشخيص، إضافة إلى إيجابيات اخرى. لكن حتى اللحظة، يبقى دوره محدوداً بالمقارنة مع الطبيب الذي يستمر في استخدام ذكاء الآلالت كأداة علمية مساندة لعمله بما يضمن تقديم رعاية أفضل للمريض.
الذكاء الاصطناعي في مجال الطب
بحسب مدير المعلوماتية الطبية في “المركز الطبي للجامعة الأميركية” في بيروت مازن السيّد، لا تعتبر استخدامات الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي انتشر عملياً منذ العام 2023، في مجال الطب قديمة العهد، وتحديداً في لبنان.
ويشار إلى أن أنواع اخرى متقدمة من الذكاء الاصطناعي مستخدمة في الطب، عالمياً ومحلياً، منذ سنوات عدة. وهنالك تطبيقات ذكية عدة تساند الطبيب في مجالات متنوعة.
ويشير السيد إلى أن الذكاء الاصطناعي يعتمد على البيانات التي تقدم له كوسيلة لإنتاج ما هو مفيد في المجال الطبي. وفي غياب هذا العنصر الأساسي لا يمكن تحقيق أي تقدم.
وفي مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، ينطلق عمل الذكاء الاصطناعي من المساندة في التعامل مع المريض، على غرار استعماله في أنظمة الرد الآلي. وهي وسيلة معتمدة على نطاق واسع اليوم في الولايات المتحدة الأميركية.
كذلك أدت التقنيات الذكية دوراً مهماً في تسريع التشخيص. وفي المركز الطبي للجامعة الأميركية، نظراً لاعتماد نظام معين داخلي متطور يتطابق مع المعتمد في معظم مستشفيات الولايات المتحدة، لم يجرِ الاعتماد على الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع باعتبار ان تلك التقنية ليست ليس مستقلة بحد ذاته، بل إنها وسيلة تضاف إلى ما هو موجود.
وكذلك يوضح السيد أن الوضع يكون في غاية التعقيد بالنسبة للمستشفيات التي ليست لديها ملفات الكترونية. لكن، في كل الحالات من المستطاع الاعتماد على الذكاء الاصطناعي بمختلف تقنياته في إطار الأبحاث والتشخيص، بهدف زيادة السرعة والدقة.
وضمن النظام المعتمد في مستشفى الجامعة الأميركية، بدأ الدخول في مسار الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي في تسهيل عمل الطبيب والتواصل مع المريض والموظفين. وفي الطوارئ، صار مستطاعاً الاعتماد عليها في قراءة حالة المريض بالاستناد إلى الأعراض التي يعانيها. وحينها، تعطي الآلات الذكية احتمالات معينة محدودة كي يختار الطبيب من بينها ويتوصل بسرعة إلى التشخيص المناسب.
أيضاً هناك برنامج آخر يمكن الاعتماد عليه في مساندة الطبيب ويقضي بالاستماع إلى محادثته مع المريض لييكتب ملخصاً عنها فيراجعه الطبيب ويوافق عليه.
وبشكل عام، يسرّع الذكاء الاصطناعي التواصل مع المريض. وثمة دراسات مستمرة حول فاعليته في تشخيص أمراض معينة.
وفي المقابل، يشكل الاعتماد عليه في الشؤون الإدارية الملمح الأكثر فاعلية حالياً، خصوصاً في تسريع المعاملات. وهناك اهتمام واضح في هذا المجال، خصوصاً في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت.
تجنّب العشوائية
ومن الملفت أن مجال التصوير بالأشعة يعتبر من أبرز المجالات التي يعتمد فيها على الذكاء الاصطناعي. ويمكن الاعتماد عليه في قراءة صور الأشعة بدقة وسرعة. وينطبق ذلك بشكل واضح على تشخيص سرطان الثدي.
ووفق السيد، هنالك ضرورة التوضيح أن الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يطبق عشوائياً في لبنان وهناك تعديلات وتحديثات يجب أن تجرى بشكل متلاحق.
وقد وضعت الولايات المتحدة قوانين تضع حدوداً معينة لتدخل الذكاء الاصطناعي في هذا المجال. والمطلوب هنا الاستناد إلى أبحاث وتجارب علمية وإحصاءات دقيقة تؤكد على إمكان استخدامه بطريقة آمنة وفاعلة، تماماً كما يحصل في مجال الأدوية لاعتبارها مسالة في غايةالدقة. وهنالك ضرورة لمتابعة الموافقات التي تصدرها الاتحاد الأوروبي وغيره من الجهات المرجعية الدولية.
من جهة أخرى، يشير السيّد إلى أن تقنيات الذكاء الاصطناعي ساعدت الأطباء في إعطاء أجوبة سريعة مثلاً حول التفاعلات بين الأدوية ما يمكن أن يخفف من الآثار الجانبية المؤذية. ففي ذلك الملمح، تتيح تلك التقنيات تجنب الأخطاء.
ما أبرز المجالات الطبية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي؟
لقد حقق الذكاء الاصطناعي تقدماً بارزاً في جوانب عدة كالتشخيص والأدوية، بالإضافة إلى المناحي الإدارية. وكذلك استطاع أن يقلل من معدلات الوفيات بفضل الدقة العالية التي يتميز بها. فمنذ بداية ظهوره، بدا واضحاً انه سيتمكن من أن يقلب المقاييس ويحدث فارقاً واضحاً، ويُحدث تحولاً جذرياً في الطب.
وبالترافق مع أهميته، يظهر تساؤل عن قدرة الذكاء الاصطناعي في التفوق على الأطباء، في مجالات تشمل الجراحة والتشخيص وتوقع مضاعفات المرض.
وفق ما يوضحه الطبيب الاختصاصي أمراض الجهاز الهضمي في مركز بلفو الطبي الدكتور سامر خليفة، يستخدم الذكاء الاصطاعي بشكل أساسي في مجال التنظير، أي استخدام المناظير الطبية في رؤية الأعضاء والأنسجة الداخلية. ويؤدي الذكاء الاصطناعي دوراً جوهرياً في التوصل إلى تشخيص دقيق يتيح الحد من خطر الإصابة بسرطان القولون او من بلوغ المرض مراحل متقدمة.
ويلاحظ أن التقنيات الذكية مستخدمة في ذلك المجال منذ قرابة سنة أو أكثر. ويسمح بكشف الزوائد اللحمية في القولون التي يمكن أن تتحول إلى سرطان بكثير من الدقة. ويشار إلى ان هذه الزوائد اللحمية موجودة لدى 25 في المئة من النساء و 30 في المئة من الرجال بعد سن 50 سنة. وفيما تعتبر هذه الزوائد اللحمية حميدة في معظمها، هناك قسم صغير منها يمكن أن يتحول إلى سرطان في القولون. من هنا أهمية التشديد على أن يلجأ كل من تخطى سن 45 سنة إلى المنظار للقولون. بما أن سرطان القولون بات يظهر في سن صغرى. وتبدو هذه الخطوة ضرورية في هذه المرحلة للوقاية من السرطان عبر استئصال كافة الزوائد اللحمية.
ومن المفترض بالفحص المستند إلى الذكاء الاصطناعي أن يزيد دقة التشخيص والتدخل الطبي، مما يحد من الخطر إلى أقصى حد ممكن ويزيد في حماية المرضى. وبالإضافة إلى دقة المناظير في الكشف عن الزوائد اللحمية، يجب الاستناد إلى عنصر الدقة العالية في دور الطبيب نفسه، مع تمرسّه باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.
وكذلك يعتبر مجال تشخيص سرطان الثدي من المساحات التي تطور فيها الذكاء الاصطناعي، وبات مستطاعاً الاعتماد عليه في زيادة دقة التشخيص وفاعلية العلاجات.
هل ستتفوق الآلات على الطبيب البشري؟
يؤكد خليفة أن للذكاء الاصطناعي حدوداً. وهنالك مستوى إنساني في هذه المهنة لا يستطيع الذكاء الاصطناعي التفوق فيه. وفي مجال التنظير، قد تغفل التقنيات الذكية عن البحث في مواضع معينة في طيات الأمعاء، خصوصاً إذا لم تُعطَ الوقت الكافي للبحث المتأني والشامل.
وبالتالي، يبقى دور الطبيب هو الأساس في التأني وإجراء التنظير بدقة وتحسين سبل الكشف. ويبقى من المهم متابعة التطورات في مجال استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في الطب، وتفاعلاته مع البشر في المناحي المتشابكة للعمل الصحي والطبي. وحتى الآن، لم تظهر دلائل كافية على أنه يشكل بديلاً للطبيب الإنسان.
عوائق أمام التقنيات الذكية
بالإضافة إلى الأخطاء الممكنة في هذا المجال، يشير خليفة إلى أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في التشخيص من دون إشراف الطبيب يمكن أن يخلق حالة من القلق لدى المريض. ففي المجال الطبي، هناك تفاعلات إنسانية لا تستطيع الآلات الذكية تخطيها. وفي نهاية الأمر، يبقى أن الطبيب هو الذي يشخص الحالة بناء على عناصر عدة، مع استمرار الذكاء الاصطناعي بكونه أداة مساعدة في يده.