خاص – الاقتصاد دخل النفق المظلم وهذه التدابير مطلوبة من الحكومة فورا
رسم برنامج الامم المتحدة الانمائي في تقريره الاخير صورة قاتمة جدا عن الاقتصاد اللبناني بحيث توقع أن تمحو الحرب 9 في المئة من الثروة الوطنية اللبنانية قياساً بالناتج المحلي الإجمالي وارتفاعا في احتياجات الحكومة التمويلية بنسبة 30 في المئة وتراجعا في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 9.2 في المئة مقارنة بسيناريو عدم الحرب، وإلى انخفاض كبير في النشاط الاقتصادي كنتيجة مباشرة للصراع بنحو ملياري دولار. وأكد التقرير انه حتى لو انتهت الحرب في عام 2024، فإن العواقب ستستمر لسنوات، مع احتمال انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.28 في المئة عام 2025، و2.43 في المئة عام 2026.
انطلاقا من ذلك، هل يمكن اعتبار هذا التقرير مضخم ام ان التداعيات الاقتصادية للحرب أكبر من ذلك بكثير؟ واي اقتصاد للبنان بعد الحرب؟ وما الخطوات المطلوبة من الحكومة لتخفيف آثار العدوان الاقتصادية؟
في السياق، يقول الباحث في المعهد اللبناني لدراسات السوق كارابيد فكراجيان لموقعنا Lebeconomy ان الخسائر الاقتصادية الناتجة عن الحرب لن تكون محصورة فقط بتلك الواردة في التقرير، مسجلا اعتراضة على ما ورد من “احتياجات الحكومة التمويلية” معللا ذلك ان ليس على الحكومة ان تمول تداعيات الحرب انما عليها النظر في السبل الآيلة الى التخفيف عن كاهل المواطنين من خلال التخفيف من مصاريفها خصوصا وان لديها أكثر من مليون و400 الف لبناني على الطرقات، ثلث القطاع الزراعي مضروب في كل من بعلبك والهرمل والشمال والجنوب، ومصانعها القائمة في الجنوب والضاحية وبعض مناطق البقاع متضررة.
أمام هذه المعطيات يمكن القول ان المصيبة وقعت واحيانا لا يمكن فعل شيء لكن الخوف الاكبر من كيفية التعاطي مع هذه المصيبة، فإما التعاطي معها بطريقة علمية تسمح بتوقف الخسائر عند حدود معينة، إما سنقع مجددا في “خطأ” عام 2020 بحيث ادت طريقة التعاطي الاقتصادي معها الى خنق الاقتصاد اللبناني بالكامل، فتحولنا من أزمة يمكن السيطرة عليها الى أزمة ضربت حسابات المودعين والتي تقدر بـ 100 مليار دولار وأضرّت الاقتصاد لسنوات عدة وقلصت من حجم الاقتصاد اللبناني الى أقل من النصف… ورغم كل ذلك للاسف ليس هناك بوادر او توجه لاتخاذ خطوات غير شعبوية من شانها ان تنقذ الاقتصاد ابرزها: تمرير الحكومة لموازنة 2025 “خطف” وكأن لسنا في حالة حرب، ونتساءل كيف تنوي الحكومة القيام بالجباية في ظل الاوضاع الراهنة، وإذا كان الفرد خسر منزله وعمله وضاعت ارباحه كيف سيتمكن من تسديد ضرائبه للدولة؟ كما لم تلحظ الموازنة التعويضات التي عليها ان تقدمها للعسكريين الذين استشهدوا في الحرب، صحيح ان الدولة لم تعلن الحرب لكن لايمكننا ان تتغاضى عن تداعياتها.
وراى فكراجيان اننا داخلون في نفق مظلم من الناحية الاقتصادية ولا مخرج منه قبل ان تترفع الحكومة عن الشعبوية وتبدأ بتخفيف المصاريف عن شعبها، اولها تعليق الضريبة على القيمة المضافة والرسم الجمركي لتخفيف كلفة الاستهلاك عن المواطنين فلا يمكن للنازح الذي فقد عمله ومنزله ومقتنياته ان يدفع ضريبة لشراء المواد الاستهلاكية او حتى حاسوبا للعمل او البسة وفرش وأغطية للنوم…
وردا على سؤال عن تأثير هذه التدابير على ايرادات الدولة، قال فكراجيان: ان الدولة هو جهاز مملوك من الشعب اللبناني لتسيير وتسهيل اموره، وعلى الدولة ان تبحث عن حلول، الا يكفي المصائب التي اصابت الشعب؟ تابع: ليس شرطا ان ترتبط ايرادات الدولة بالضرائب بل على العكس في علم الاقتصاد فإن الضرائب لا بد ان تصل الى مكان كلما ارتفعت فيه كلما كان مردودها عكسيا.
ودعا فكراجيان الى اعطاء اعفاء ضريبي للمؤسسات العاملة في لبنان لا سيما الصغيرة منها لمساعدتها على الاستمرارية. قال: نحن في حالة حرب اي ان هناك ناس خسرت كل شيء وهي معرضة لان تجوع لذا من الضروري ومن اجل اعادة تنمية الاقتصاد توفير عوامل جذب من شأنها ان تبقى المواطنين في ارضهم وان تخلق مبادرات وتستقطب مشاريع استثمارية جديدة توفر فرص عمل وهذا يكون عبر اعطاء اعفاء ضريبي سيما في غياب البنى التحتية اللازمة، وغياب استقرار سعر الصرف.
وفي الختام، حذّر فكراجيان من انه اذا تعاطت الحكومة مع الازمة الحالية كما فعلت مع أزمة 2019 فسيطير الاقتصاد بأكمله، لافتا الى انه في عام 2019 صمد بعض اللبنانيين وكانوا لا يزالون قادرين على الوقوف على رجليهم وتمكنوا من خلق حركة اقتصادية اما اليوم فالناس تبيت في الطرقات وباتت بلا مأوى ولا عمل وخسرت ارزاقها وممتلكاتها والفارق كبير.