ابرز الاخبارالاقتصاد العربي والدولي

أسعار الذهب القياسية تقاوم الرياح المعاكسة.. لهذه الأسباب؟

حافظت أسعار الذهب على مستوياتها القياسية التاريخية، حول 2400 دولار للأونصة، في وقت يشهد فيه المعدن النفيس زخماً واسعاً تحت وطأة حالة عدم اليقين التي تلف الأسواق، ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية.

وسجلت أسعار المعدن النفيس مكاسب أسبوعية (هي الخامسة على التوالي) الأسبوع الماضي، بعد أن جذبت المخاطر الجيوسياسية والمخاوف الاقتصادية المتعلقة بالصين طلبا قويا على الملاذ الآمن.

أدت المخاوف من المزيد من الانتقام المتبادل بين إيران وإسرائيل إلى تحفيز الطلب على الملاذ الآمن. وارتفع السعر الفوري للذهب بنسبة 0.7 بالمئة ليصل إلى 2395.15 دولاراً للأونصة بحلول الساعة 1:45 مساءً بتوقيت شرق الولايات المتحدة (1745 بتوقيت غرينتش)، بعد ارتفاعه إلى 2417.59 دولارًا في وقت سابق من الجلسة. وارتفعت الأسعار بنسبة 2.2 بالمئة خلال الأسبوع. جرت تسوية العقود الأميركية الآجلة للذهب مرتفعة 0.7 بالمئة إلى 2413.8 دولار.

يمكن لهذا الزخم أن يحمل المعدن الأصفر إلى مستويات الـ 3000 دولار، في تصور الخبير الاقتصادي الشهير ديفيد روزنبرغ، رئيس مؤسسة روزنبرغ للأبحاث، والذي قال في مذكرة حديثة إن موجة الذهب الأخيرة “مثيرة للإعجاب بشكل خاص”؛ لأنها لم تتجاوز عملة البيتكوين وكل العملات الرئيسية فحسب، بل تغلبت أيضاً على الرياح المعاكسة الكلية النموذجية التي غالبًا ما تقلل من قيمتها.

وأضاف: “لقد جاء ارتفاع سعر الذهب في وقت يشهد قوة الدولار، وانخفاض توقعات التضخم، وخلال هذه الفترة قام بنك الاحتياطي الفيدرالي بتحويل توقعات السوق نحو قناعة الارتفاع لفترة أطول”. كل هذه التطورات من شأنها أن تضر عادة بسعر الذهب، لكن المعدن النفيس مضى قدماً بغض النظر عنها.

طلب قوي

وقال روزنبرغ وفريقه:

إن المحرك الرئيسي للارتفاعات الأخيرة لم يكن في جانب العرض – الذي ظل ثابتاً في السنوات الأخيرة – بل في جانب الطلب، وذلك بفضل إعادة البنوك المركزية اعتباره أصلاً احتياطياً.
مع فقدان اليوان الصيني قبضته باعتباره العملة الاحتياطية الثانية في العالم، ومع خوف دول مثل اليابان وروسيا وتركيا وبولندا من الاعتماد المفرط على الدولار الأميركي ، فقد تحول الكثير منها إلى الذهب كملاذ آمن؛ في ظل تغلبهم على المخاطر الاقتصادية الخاصة.
ووجدوا أيضًا أن الذهب يتألق بشكل أكبر في الأسواق الناشئة مثل الهند والصين، في حين يتخلف المستثمرون الغربيون عن الركب؛ لأن أسعار الفائدة المرتفعة وأسعار الأسهم المزدهرة تقلل من جاذبية الذهب ذو العائد المنخفض.

علاوة على ذلك، فإن الاستخدام الصناعي المتزايد، خاصة في قطاع الإلكترونيات النشط للغاية، يعد بمثابة دافع آخر للسعر.

أبرز العوامل

من جانبه، قال الباحث في الشؤون الاقتصادية، مازن أرشيد، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن هناك أسباب تقف خلف ارتفاع الذهب عالمياً في الوقت الحالي، أهمها:

حالة عدم الاستقرار الجيوسياسي، والتي تعد من أبرز العوامل الحالية التي تؤثر على سعر الذهب بالاتجاه الصعودي.
التوترات الحالية، مثل الصراع في أوكرانيا والشرق الأوسط وحتى التوترات في تايوان.
على الجانب الاقتصادي، تؤثر سياسات الاحتياطي الفيدرالي الأميركي وحركة التضخم بشكل مباشر على أسعار المعدن النفيس.
يمكن لانخفاض معدلات التضخم عالمياً، أن يكون مواتياً لأسعار الذهب.
تعزز توقعات خفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأميركي من جاذبية الذهب كاستثمار، خاصة عندما تتراجع عوائد السندات، وبما يقلل من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب الذي لا يدر عائداً.
وتسارع معدل التضخم السنوي في الولايات المتحدة خلال شهر مارس الماضي، بأكثر من التوقعات، وسط ارتفاع تكاليف البنزين والمعيشة، مما يلقي بمزيد من الشك حول ما إذا كان مجلس الاحتياطي الفيدرالي سيخفض أسعار الفائدة في يونيو.

وبحسب بيانات مكتب إحصاءات العمل التابع لوزارة العمل، الصادرة الأربعاء، فقد ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين السنوي إلى 3.5 بالمئة في مارس، من 3.2 بالمئة في فبراير، وهو ما جاء أكثر من التوقعات بارتفاعه إلى 3.4 بالمئة فقط.

وأضاف أرشيد: في ظل المعطيات السابقة يميل المستثمرون إلى اللجوء للذهب كملاذ آمن، بما يزيد من الطلب عليه وبالتالي يرفع سعره. فقد شهد أخيراً عمليات شراء مستمرة من قبل البنوك المركزية، وتؤكد هذه العمليات على الدور الذي يلعبه الذهب كمخزن للقيمة على المدى الطويل، حتى لو كانت هذه المشتريات بمعدلات تقل بشكل طفيف عن الأعوام السابقة.

وأكد الباحث الاقتصادي، في معرض حديثه مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أنه في ظل هذه الظروف تزيد التحولات العالمية نحو التخلص من الدولار والتوجه نحو الذهب كأصل بديل قابل للتطبيق من الطلب على الذهب، وهذا التوجه يأتي على خلفية العقوبات الدولية وتجميد الأصول في جزء منها، بما يجعل الذهب والسبائك ضامنًا للاستقلال الاقتصادي والسياسي للدول، خاصة تلك التي بدأت بالفعل في تنويع احتياطياتها من الذهب والعملات الأجنبية.

مخاوف بشأن عدم اليقين

وبالعودة لمذكرة روزنبرغ، فإنه أرجع أيضاً ارتفاع الذهب الأخير إلى المخاطر الجيوسياسية العالمية وتوقعات الاقتصاد الكلي التي لا يمكن التنبؤ بها.

وأضاف: “من الصعب الجدال ضد اتجاه تأثير العلاقات الدولية نحو مزيد من العسكرة والمواجهة والاستقطاب، وقد زادت أهمية ميزات التحوط من المخاطر في سعر الذهب نتيجة لذلك”.

وعلى الجانب النقدي، قال إنه مع وصول نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة إلى 120 بالمئة، وتصاعد تكاليف الخدمة، فإن المستثمرين يعززون حيازاتهم من الذهب وسط حالة من عدم اليقين بشأن نتائج الانتخابات واحتمال حدوث أزمة مالية تلوح في الأفق.

المحطة التالية.. 3000 دولار

ومع استمرار الزخم الثابت للذهب، يتوقع روزنبرغ ارتفاعاً آخر بنسبة 15 بالمئة مع احتمالية ارتفاع بنسبة 30 بالمئة مع بدء البنوك المركزية في خفض أسعار الفائدة.

ملاذ آمن

من جانبه، أفاد محلل أول لأسواق المال في مجموعة إكويتي، أحمد عزام في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” بأن هناك عدة أسباب جعلت من الذهب أحد أهم الأصول الاستثمارية الرئيسية في العام 2024 يأتي على رأسها:

مخاوف البنوك المركزية بشأن استخدام الدولار كأداة اقتصادية رئيسية.
حالة عدم اليقين بشأن توجه الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة.
المناخ الجيوسياسي المضطرب والتوقعات الغامضة للاقتصاد العالمي والتضخم العنيد والمخاوف من دخول الاقتصادات في الركود
كله هذه العوامل ساعدت الذهب ليكون الملاذ الآمن وقت الأزمات، والأداة الاستثمارية المفضلة عندما تنخفض أسعار الفائدة أو تظهر ملامح ضبابية حول صحة الاقتصادات.
وذكر عزام أن جميع الأسباب كانت بمثابة دلالة صعودية تكونت منذ عدة أشهر، خصوصاً مع ارتفاع حدة التوترات الجيوسياسية والاضطرابات العالمية واستمرار الحرب، حيث أعطت هذه العوامل الدافع إلى المستثمرين للتوجه لمشتريات الذهب كاستثمار طويل الأمد، في حين أن استثمار الأفراد كان يتجه نحو شراء سبائك الذهب هذه المرة بشكل أكبر بكثير من شراءات صناديق الاستثمار المتداولة المدعومة بالذهب وهي الطريقة الأسهل للحصول على الذهب. وهذا يعطي انطباعاً بأن التوقعات لارتفاع الذهب طويلة الأجل.

وأجاب عزام على سؤال “لماذا يشترون الآن؟” قائلًا: “الثغرة الصارخة في سرد الأسابيع الخمسة الماضية هي أنه في حين لا يزال من المتوقع أن يبدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة هذا العام – الأمر الذي من شأنه أن يفيد الذهب – فإن عديداً من المستثمرين أصبحوا في الواقع أقل اقتناعاً بشأن التوقيت مما كانوا عليه قبل بضعة أشهر”.

واستطرد : “أحد الاحتمالات هو أن بعض المستثمرين في الذهب يركزون بدلاً من ذلك على احتمال الهبوط الحاد في الاقتصاد الأميركي أو على الأقل ثبات التضخم لفترة زمنية أطول مما قد يعزز الحالة الضبابية، فيسارع المستثمرون إلى شراء السبائك لدورها كملاذ آمن أو غطاء للتضخم”.

 

المصدر
سكاي نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى